أحدهما: استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أَحَد الأقوال قدم وَلاَ يعل الراجح بالمرجوح عِنْدَ أهل النقد.
ثانيهما: أن يتعذر - مَعَ الاستواء - الجمع بينها عَلَى قواعد المُحَدِّثِيْنَ، ويغلب عَلَى الظن أن ذَلِكَ الحافظ لَمْ يضبط ذَلِكَ الحَدِيْث بعينه فحينئذ يحكم عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَة وحدها بالاضطراب، ويتوقف عن الحكم بصحة ذَلِكَ الحَدِيْث لِذلِكَ السبب (?).
وعلى هَذَا المَعْنَى يدور قَوْل الحافظ ابن الصَّلاح: ((وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان (?)، أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى، بأن يَكُون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عَنْهُ، أو غَيْر ذَلِكَ من وجوه الترجيحات المعتمدة، فالحكم للراجحة، وَلاَ يطلق عَلَيْهِ حينئذٍ وصف المضطرب، وَلاَ له حكمه)) (?). وَقَدْ أكد هَذَا المفهوم الإمام ابن دقيق العيد فَقَالَ: ((أشار بَعْض الناس إلى أن اختلاف الرواة في ألفاظ الحَدِيْث مِمَّا يمنع الاحتجاج بِهِ ... فنقول هَذَا صَحِيْح لَكَن بشرط تكافؤ الروايات أو تقاربها، أما إذا كَانَ الترجيح واقعاً في بعضها: إما لأن رواته أكثر أو أحفظ، فينبغي العَمَل بِهَا، إذ الأضعف لا يكون مانعاً من العَمَل بالأقوى، والمرجوح لا يدفع التمسك بالراجح)) (?).ويفهم مِمَّا سبق أن أحد الوجوه المختلفة إن كَانَ مروياً من طريق ضَعِيْف والآخر من طريق قوي فَلاَ اضطراب، والعَمَل بالطريق القوي، وإن لَمْ يَكُنْ كَذلِكَ، فإن أمكن الجمع بَيْنَ تِلْكَ الوجوه بحيث يمكن أن يَكُون المتكلم باللفظين الواردين أراد مَعْنًى واحداً فَلاَ إشكال أيضاً؛ مِثْل أن يَكُون في أَحَد الوَجْهَيْنِ: عن رَجُل وَفِي الوجه الآخر يُسَمَّى هَذَا الرجل فَقَدْ يَكُون هَذَا المسمى هُوَ ذَلِكَ المُبْهَم، فَلاَ اضطراب إذن ولا تعارض، وإن لَمْ يَكُنْ كَذلِكَ بأن يُسَمَّى مثلاً الرَّاوِي باسم معين في رِوَايَة وَيُسَمَّى باسم آخر في رِوَايَة أُخْرَى فهذا محل نظر؛ إذ يتعارض فِيهِ أمران:
أحدهما: أَنَّهُ يجوز أن يَكُون الحَدِيْث عن الرجلين معاً.
والثاني: أن يغلب عَلَى الظن أن الرَّاوِي واحد واختلف فِيهِ. فههنا لا يخلو أن يَكُون الرجلان معاً ثقتين أولا، فإن كَانَا ثقتين فههنا لا يضر الاختلاف عِنْدَ الكثير؛ لأن