المبحث الثالث: خصائص وسمات الأدلة العقلية:

العقل حجة مستقلة في وجوب التوحيد والبراءة من الشرك، ولا أُبعد النجعة إن زعمت: أنه من أعظم وأجل آيات ودلائل الرسل على أقوامهم.

فالكتب الربانية دلالتها على المطالب الإلهية نوعان:

أحدهما: الخبر المحض.

الثاني: الأدلة العقلية والبراهين اليقينية والعلوم الضرورية الدالة على صحة مقتضى الأخبار، وبذلك تكون دلالتها شرعية عقلية؛ شرعية: لأن الشرع دل عليها وأرشد إليها؛ وعقلية: لأن بالعقل يُعلم صحتها، ويُستقل بإدراكها، وليس لمجرد الخبر.

"فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يخبر بالحق، ويقيم عليه الأدلة العقلية البرهانية الموصلة إلى معرفته، كالأقيسة العقلية، وهي الأمثال المضروبة" (?).

مثال ذلك: قوله تعالى (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (?).

فهذا خبر محض يدل على وجوب إفراد الله بالعبادة، والبراءة من عبودية ما سواه؛ فإذا طعن المشركون في صحته محتجين بقولهم (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ) (?) فعند ذلك تنتصب الأدلة العقلية، والبراهين اليقينية؛ والعلوم الضرورية - التي لا ينفك عن بداهة مدلولها اثنان من العقلاء - حكماً فصلاً بين: الموحدين والمشركين. فنقول لهم: من المعلوم ضرورة: أن الإله لا بد أن يكون مالكاً لجلب النفع، وقادراً على دفع الضر عن عابديه، والعقل قاطع بأن الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً يكون أعجز عن ملكه لغيره. وهذا برهان ضروري يقيني ينسف به تأله كافة الآلهة المزعوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015