وأترك الحافظ رحمه الله يعرض بقية الأقوال والتعقب عليها.
قال رحمه الله: "وفي المسألة أقوال أخر ذكرها ابن عبد البر وغيره.
منها قول ابن المبارك: إن المراد أنه يولد على ما يصير إليه من شقاوة أو سعادة، فمن علم الله أنه يصير مسلما ولد على الإسلام، ومن علم الله أنه يصير كافراً ولد على الكفر، فكأنه أول الفطرة: بالعلم.
وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن لقوله "فأبواه يهودانه الخ" معنى لأنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها فينافي في التمثيل بحال البهيمة.
ومنها: أن المراد أن الله خلق فيهم المعرفة والإنكار، فلما أخذ الميثاق من الذرية قالوا جميعاً: (بَلَى)، أما أهل السعادة فقالوها طوعاً، وأما أهل الشقاوة فقالوها: كرهاً: وقال محمد بن نصر: سمعت إسحاق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى ويرجحه.
وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل صحيح. فإنه لا يعرف هذا التفصيل عند آخر الميثاق إلا عن السدي ولم يسنده، وكأنه أخذه من الإسرائيليات، حكاه ابن القيم عن شيخه.
ومنها: أن المراد بالفطرة الخلقة أي: يولد سالماً لا يعرف كفراً ولا إيماناً، ثم يعتقد إذا بلغ التكليف، ورجحه ابن عبد البر وقال: إنه يطابق التمثيل بالبهيمة ولا يخالف حديث عياض لأن المراد بقوله (حَنِيفاً) أي على استقامة.
وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقتصر في أحوال التبديل على ملل الكفر دون ملة الإسلام، ولم يكن لاستشهاد أبي هريرة بالآية معنى.
ومنها: قول بعضهم إن اللام في الفطرة للعهد أي فطرة أبويه، وهو متعقب بما ذكر في الذي قبله.
ويؤيد المذهب الصحيح أن قوله "فأبواه يهودانه الخ" ليس فيه لوجود الفطرة شرط، بل ذكر ما يمنع موجبها كحصول اليهودية مثلا متوقف على