فإن لم يكن شريكاً له كان معيناً له وظهيراً.
فإن لم يكن معيناً ولا ظهيراً كان شفيعاً عنده.
فنفى سبحانه المراتب الأربع نفياً مترتباً، متنقلاً من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك، والشركة، والمظاهرة، والشفاعة التي يظنها المشرك؛ وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة بإذنه. فكفى بهذه الآية نوراً، وبرهاناً ونجاة، وتجريداً للتوحيد، وقطعاً لأصول الشرك ومواده لمن عقلها، والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها؛ ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثاً. وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن" (?) أ. هـ.
وقال ابن تيمية: "فبين سبحانه أن من دُعي من دون الله من جميع المخلوقات من الملائكة والبشر وغيرهم أنهم لا يملكون: مثقال ذرة في ملكه، وأنه ليس له شريك في ملكه، بل هو سبحانه له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأنه ليس له عون يعاونه كما يكون للمالك أعوان وظهراء وأن الشفعاء عنده لا يشفعون إلا لمن ارتضى، فنفى بذلك وجوه الشرك.
وذلك أن من يدعون من دونه: إما أن يكون مالكا، وإما أن لا يكون مالكا، وإذا لم يكن مالكا فإما أن يكون شريكا، وإما أن لا يكون شريكا، وإذا لم يكن شريكاً فإما أن يكون معاوناً، وإما أن يكون سائلاً طالباً.
فالأقسام الأول الثلاثة وهي: الملك، والشركة، والمعاونة منتفية؛ وأما الرابع فلا يكون إلا من بعد إذنه. كما قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (?) وكما قال تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (?) وقال تعالى: