خلقت له، وبه قامت السموات والأرض وما بينهما، وعليه قام العالم، ولأجله خلقت الجنة والنار، ولأجله أرسل رسله، وأنزل كتبه، ولأجله أهلك القرون التي خرجت عنه وآثرت غيره، فكونه سبحانه أهلاً أن يعبد ويحب ويحمد ويثنى عليه أمر ثابت له لذاته، فلا يكون إلا كذلك. كما أنه الغني القادر الحي القيوم البصير فهو سبحانه الإله الحق المبين، والإله هو الذي يستحق أن يؤله: محبة وتعظيما وخشية وخضوعا وتذللاً وعبادة، فهو الإله الحق ولو لم يخلق خلقه، وهو الإله الحق ولو لم يعبدوه؛ فهو المعبود حقاً، الإله حقاً، المحمود حقاً، ولو قدر أن خلقه لم يعبدوه ولم يحمدوه ولم يألهوه فهو الله الذي لا إله إلا هو قبل أن يخلقهم، وبعد أن خلقهم، وبعد أن يفنيهم، لم يستحدث بخلقه لهم ولا بأمره إياهم استحقاق إلهية وحمد؛ بل إلهيته وحمده ومجده وغناه أوصاف ذاتية له يستحيل مفارقتها له لحياته، ووجوده، وقدرته، وعلمه، وسائر صفات كماله.
فأولياؤه وخاصته وحزبه لما شهدت عقولهم وفطرهم أنه أهل أن يُعبد - وإن لم يرسل إليهم رسولاً، ولم ينزل عليهم كتاباً، ولو لم يخلق جنة أو ناراً - علموا أنه لا شيء في العقول والفطر أحسن من عبادته، ولا أقبح من الإعراض عنه، وجاءت الرسل وأنزلت الكتب لتقرير ما استودع سبحانه في الفطر والعقول من ذلك، وتكميله، وتفصيله، وزيادته حسناً إلى حسنه، فاتفقت شريعته وفطرته وتطابقا، وتوافقا، وظهر أنكما من مشكاة واحدة، فعبدوه، وأحبوه، ومجدوه، وحمدوه: بداعي الفطر، وداعي الشرع، وداعي العقل، فاجتمعت لهم الدواعي، ونادتهم من كل جهة، ودعتهم إلى وليهم وإلههم وفاطرهم" (?) أ. هـ.
وقال ابن كثير: "يقول تعالى: فسدد وجهك، واستمر على الدين الذي شرعه الله من الحنيفية - ملة إبراهيم - الذي هداك الله لها، وكملها لك