وكذا الطيبات والخبائث .. إلا بالسمع وكان من الممكن أن يأتي محرماً لكل ما أحل ومحلاً لكل ما حرم، بل وقد تأتي الشرائع مفرقة بين المتماثلين من كل وجه، ومسوية بين المتناقضين من كل وجه. فقد تحرم السجود على وجه التعبد للشمس وتحله للقمر، وقد تحرم الزنا بالعمة الأولى وتحله بالثانية .. !!!

والعقل ليس فيه إلا الإقرار بالصانع والتهيؤ والقبول لما تأتي به الشرائع على أي وجه كانت. وجوزوا على الحكيم العليم فعل كل شيء ولم ينزهوه عن فعل شيء ألبتة بناء على استواء الأفعال ونفي المرجحات. فالمقدور كله جائز على الله، والمحرم عليه - من قبل نفسه - هو: المحال لذاته الخارج عن نطاق القدرة، أو المستلزم لعجزها ونقصانها.

"فحكموا بأنه تعالى لو عكس الحكم في جميع أوامره العادلة المصلحة الحكيمة في شرائعه وأحكامه في الدنيا، وكذلك في يوم القيامة، أو عذاب الأنبياء والأولياء وأهانهم وأخزاهم بذنوب غيرهم ثم أدخل أعداءه وأعداءهم الجنة بحسناتهم وأكرهم وعظمهم؛ ما كان هذا - المحال عليه - بأبعد عن حكمته ومحامده في العقل والسمع مما هو فاعله سبحانه وتعالى، مما تمدح به وسماه حقاً وعدلاً وحكمة وصواباً، وتمدح لذلك بأنه لا معقب لحكمه ولا مبدل لكلماته، وبأنه إذا بدل آية مكان آية لا يبدلها إلا بما هو خير منها أو مثلها.

فزعموا أن التسوية بين أحكامه وأضدادها هو مقتضى العقول والشرائع. لكن الشرائع وردت بالخبر عن وقوع أحد الجائزين المتماثلين في الحكمة مثل تماثلهما في القدرة، بل المتماثلين في القدرة بلا حكمة عندهم، إلا الصدق في الخبر فواجب وحده.

فإنا لله إن كانت ذهبت العقول فأين الحياء من الله تعالى، وكتبه ورسوله والمؤمنين؟! " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015