ولقد خلف لنا الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب تراثاً كبيراً يتمثل في أنواع متعددة من المؤلفات، أملتها طبيعة المرحلة التاريخية التي عاش فيها من جهة، وظروف الدعوة التي تجرد لها من جهة أخرى، وكان من أثر ذلك أن تعددت صور التأليف عنده، وحتم عليه منهجه أن يكتب الفكرة الواحدة في أشكال مختلفة، فتارة يبسطها في كتاب كامل، وتارة يوجزها في رسالة مختصرة، وثالثة يكتب بها في خطاب شخصي أو يبعث بها في منشور عام. ثم هي تدخل في خطبه ويتحدث بها في أقواله ونبذه، ويعالجها مرة باللغة الفصحى ليقرأها الخاصة، ومرة ثانية باللهجة الدارجة لينتفع بها العامة.. وهذا كله يصور مدى تجرد الشيخ للدعوة وتفانيه في سبيل إيصال كلمة الحق إلى الجميع.
ولقد تفرقت آثار الشيخ رحمه الله في كتب ومجموعات طبعت منذ أوائل القرن الرابع عشر الهجري واختلطت بآثار علماء الدعوة الآخرين، واختلفت أقوال المترجمين له في أسماء مؤلفاته وأعدادها، وأغفل كثير منهم بعض أعماله، وأهملوا فتاويه ونبذه وأجوبته، واقتصروا على المشهور من كتبه ورسائله. هذا إلى جانب ما يفتقر إليه الجميع من الإشارة إلى المصادر الأصلية لما ينقلونه إلى مؤلفاتهم من آثار الشيخ، وإلى المعلومات الببليوجرافية الضرورية التي يتطلبها الباحث المعاصر.
ولهذا لم يعد أمام الباحث في تراث الشيخ إلا الرجوع إلى ما يقع تحت يده من طبعات كتبه المشهورة دون تمييز بين هذه الطبعات، أما رسائله وفتاويه وأجوبته ونبذه ومكاتباته فعليه أن ينقب عنها بين ما نشر من مجموعات تراث الدعوة السلفية عله أن يعثر على ضالته، وفي ذلك تبديد للوقت وضياع للجهد. وخاصة إذا ما أراد الباحث الرجوع إلى مسألة معينة أو بحث محدد. بل إن الباحث لا يكاد يستدل على تصور حقيقي لما خلفه الشيخ من تراث إلا بعد تعب ونصب، ولا يستطيع الإلمام بذلك كله إلا بعد أن يفرغ نفسه مدة من الزمن.