عاقل يبلغه كلام أهل العلم، لا بدّ أن يكون محتملًا عنده، وعلى الأقل في كثير من تلك المحْدَثات أنها شرك، كما صرَّح به جَمْع من أكابر العلماء. والمؤمن لا يمكن أن يقدم على ما يحتمل عنده أنه شرك، هذا مع أنه ليس في الإقدام عليه لذة طبيعية، إلا أن يكون اتباع الهوى، فإن الراغب في الثواب والبركة يجد ما هو باعتراف ألدِّ أنصار المحْدَثات أعظم أجرًا وبركة.

فلو سألت أحدهم عن الصلاة على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالصيغة الإبراهيمية المأثورة، أهي أفضل أم قول القائل: "يا رسول الله"؟ لاعترف لك بأن البَونَ بعيد جدًّا، فإن فضل تلك الصلاة وثوابها وبركتها عظيم جدًّا، وأما قول: "يا رسول الله"، فغايته أن يدَّعي بعضُ أنصار البدع أنه لا بأس به، وقِسْ على هذا سائر المحدثات.

فإذا بيَّنتَ هذا المعنى لرجل وأصرَّ على ترك اجتناب المحْدَثات فقد قُمتَ بالحجة، وإذا اجتنبْتَ المحدثات فاعترض عليك معترض فبيَّنْتَ له هذا المعنى، فقد أَبطلْتَ اعتراضَه ولزمه التسليم لك إن كان له عقل. ولا حاجة بك بعد هذا إلى المحاجّة في تلك المحْدَثات أَشِركٌ هي أم لا، ولا إلى سَرْد الحجج وإبطال الشبه؛ بل يكفيك الاستناد إلى ما تقدم.

ولا بأس بعد ذلك أن تقول لمن نازعك: ليس عندي من العلم ما أتمكَّن به من المناظرة والمحاجّة، ولكنني أعلم أن الواجب على الناس ترك المحدثات، فإن لم يستغنوا ببطلانها وأن منها ما هو شرك، فإنهم يعرفون من اختلاف العلماء احتمال ذلك، فوجَب عليهم اجتناب ما يخافون أن يكون شركًا، وقد علموا أنه - على فرض صحة ما يزعم أنصار البدع - لا حاجة إليه، فإنّ في العبادات الشرعية العظيمة الأجر والثواب والبركة ما يغني عنه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015