سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقتلوا أولادكم سرًّا، فإنّ الغيل يدرك الفارس فيُدَعْثِره عن فرسه".
[ص 7] زعم الطحاوي (?) أنّ الحديث الأخير منسوخ، وأنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - قاله لما كان يظن أنّ الغيل يضرّ، ثمّ لما تبيّن له أنّه لا يضرّ ذكر الحديث الأول والثاني. هذا حاصل كلامه، والظاهر خلاف ما قال لوجوه:
الأول: أنّ أقواله - صلى الله عليه وسلم - التي يبنيها على الظن يصرّح أو ينبه أنّه إنّما بناها على الظن، كما تقدّم في تأبير النخلا، وأمّا في حديث ذي اليدين فاكتفى بقرينة الحال؛ لأنّ الحاضرين إن كانوا علموا أنه نسي علموا أنّه إذ قال: لم أنس، إنّما يعني في ظنه واعتقاده، وحديث أسماء جزم.
الوجه الثاني: أنّ قوله في حديث أسماء: "فإنّ الغيل يدرك الفارس فيدعثره" ظاهر في أنّه علم ذلك بالوحي، إذ لا يتأتّى علم مثل ذلك بالقياس.
الثالث: أنّ قوله في الحديث الأول: "لقد هممت" ظاهر في أنه لم يكن قد نهى، فالصواب أنّه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينهى عن الغيل لما اشتهر بين العرب من أنّه يضرّ، ثم علم أن فارس والروم يغيلون، ولم ير ضررًا ظاهرًا يعتريهم؛ فظن أنّ الغيل لا يضر، فذكر الحديث الأول، وجاءه السائل عن العزل فنبهه على النظر في فارس والروم أيضًا، ثم أطلعه الله عَزَّ وَجَلَّ على أنّ للغيل ضررًا وإن كان يخفى، فصرّح بذلك في حديث أسماء.
ولحديث أسماء شواهد، منها: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - لمّا تزوج أمّ سلمة كانت