أما الباب الثاني فقد عقده المؤلف لبيان شرائط حجية خبر الواحد، وذكر أنها على ثلاثة أنواع، والموجود منها الكلام على النوع الأول فقط، وهو ما يُشترط في المخبر حال الإخبار، تكلم فيه أولاً على العدالة وضوابطها، وتطرق إلى البحث عما إذا روى العدل عن رجل ولم يجرحه، هل يعتبر ذلك تعديلًا له؟ ثم تكلم على الشرط الثاني وهو الضبط، وعرَّف الضبط بأنه اجتماع الثبات والتثبت، فكون الإنسان ضابطًا لميزان نفسه عند التلقي وعند الأداء هو الثبات، ثم إنه قد يكون مع ثباته في نفسه يتفقَّد نفسه عند الأداء، فيعرف حقيقة الحال فيحدَّث بحسبها، فهذا هو المتثبت. وبهذا يخرج خبر المغفَّل والمتساهل.
وفي الفصل الأخير ذكر أن غالب ما في كتب الجرح والتعديل من الكلام مبني على اعتبار أحاديث الراوي، ويدلُّ عليه كلام الأئمة، وتحرَّر للمؤلف باستقراء كثير من كلامهم أن لهم مذاهب:
الأول: مذهب ابن حبان، فعنده أن المسلمين محمولون على العدالة، فكل راوٍ لم يُجرَح فالظاهر أنه عدل. وبيَّن ضعف مذهبه، وردَّ عليه، وقال في آخره: والذي تبيَّن لي أن ابن حبان لم يلتزم الاعتبار، بل أخذ "التاريخ الكبير" للبخاري، ونقل غالبه إلى "الثقات". وكثير ممن أخذه عنه لم يعرفه ابن حبان، ولا عرف ما روى، بل وكثير منهم لم يعرف عمن رووا ولا من روى عنهم.
هذه فائدة جليلة توصَّل إليها المؤلف بعد دراسة الكتابين والمقارنة بينهما، وانظر تتمة الكلام هناك.