وفي رواية أبي داود (?) أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا المعتق: "لو شهدتُه قبلَ أن يُدفَن لم يُدفَنْ في مقابر المسلمين".

ومن الحكمة - والله أعلم - في هذا أن الإنسان في حال صحته شحيحٌ، يأملُ طولَ الحياة ويخشى الفقرَ، فاكتفى الشرع بوازعِه الطبعي عن أن يحَجُر عليه، مع أنه إن أعطى لا يُعطي إلاَّ بسببٍ شديد يُجبِره على عصيانِ شُحِّ نفسِه. ولكن هذا بالنسبة إلى الأجانب، فأما بالنسبة إلى ولده فإنه يُؤثِرهم على نفسه، فمنعَ الله عزَّ وجلَّ من تفضيل بعضهم على بعضٍ سدًّا للذريعة.

وأما حالة المرض فإن المرء يخِفُّ شُحُّه، ويَضعُفُ أملُه، وكثيرًا ما يكون له هوًى غيرُ مشروعٍ في أجنبي، أو بُغضٌ لوارثه، فيحمله ذلك على إعطاء الأجنبي وحرمان الوارث، وكثيرًا ما يكون لبعض الأجانب عليه حقوق عظيمة لم يتمكن من أدائها حالَ صحتِه، فجعلَ الله عزَّ وجلَّ له الثلث يُوصِي به حيث أراد، مع التصريح بكراهية ذلك في قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا ...} كما تقدم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والثلث كثير"، وأحاديث كثيرة في هذا المعنى.

عن عمرو بن خارجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبَ على ناقته وأنا تحتَ جِرانِها، وهي تَقْصَعُ بجِرَّتها وإنّ لُعابَها يَسِيل بين كَتِفَيَّ، فسمعته يقول: "إن الله قد أعطى كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه، فلا وصيةَ لوارِثٍ" رواه الإِمام أحمد والترمذي وحسَّنه، والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015