جهة الخُلق الكريم فقد قال الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، فهل يليق بصاحب الخُلُق أن يكلِّف أصحابه ما يعلم أنهم لا يستطيعونه، مع أن ربَّه عزَّ وجلَّ لم يكلِّف به عباده؟

وليقف العاقل هنا وقفةً يتدبّر فيها حال أبي ريَّة، وهل يرضى أن يضيع العاقل وقته بمطالعة كتابه إلا أن يتصدَّى عارفٌ لكشف حاله لئلّا يغترَّ به الجَهَلة؟ وهل ينبغي له إن كان عاقلًا أن يتعاطى الكلام في مثل هذا الأمر؟

إن أئمة السُّنَّة يفرّقون بين الرواة ويُنْزِلون كلَّا منزلته. فالثقة المثبت عندهم هو الذي يُعرف من اعتبار روايته برواية غيره، أنه لا يحدّث إلا بما يسمعه حقًّا. فأما الذي يحدّث بما لم يتحقَّق أنه سمعه؛ فهذا كذّاب أو متّهم. وكذا من يكون مغفَّلًا يتوهَّم أنه سمع وضبط، ويرى أنه جازم بذلك وهو مخطئ؛ فهذا عندهم هو المغفَّل المتروك الذي يحدّث على التوهُّم، ومِن ثَمَّ يعاملون مَن يُخطئ على حسب مقدار خطائه كميَّة وكيفيةً. فَهُم وإن أثنوا على بعض مَن يكثر خطاؤه وغلطه بأنه كان صالحًا عابدًا فإنهم يجرحونه في الحديث جرحًا صارمًا كقولهم: "منكر الحديث، متروك، ليس بشيء"، حتى قال شعبة: لأن أزني أحبّ إليَّ مِن [أن] أروي عن أبان بن أبي عيَّاش، وقال نحو ذلك في يزيد الرقاشي.

فليطمئنّ المسلمون على الحديث النبويّ، فإن الله تبارك وتعالى لم يهمله (?) إلى أن يُبْعَث لتنقيحه أبو ريَّة وأضرابه بعد قرابة أربعة عشر قرنًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015