ويقول ص 27 في ردّ كلمة "متعمدًا": (وكل ذي لبّ يستبعد أن يكون النبي قد نطق بها، لمنافاة ذلك للعقل والخُلُق اللذَينِ كان الرسول متصفًا بالكمال منهما، ذلك بأن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواءٌ أكان عمدًا أم خطأ).

أقول: أما إذا بنينا على أن المخطئ ليس بكاذب كما تقدم، فلم تَزِدْ كلمة "متعمدًا" عن أن تكون حالًا كاشفة، فإن كان العقل يأباها [ص 12] فقد كان العقل يُوجب أن يُقال: "من كَذَب عليّ أو أخطأ". ولا أدري لماذا يأباها العقل مع جزمه بأنَّ الإنسان معرَّض للخطأ شاء أم أبى، ومع اعترافه بأن الأنبياء قد يخطئون فيما يتعلق بأمور الدنيا، وإنما عُصموا في أمور الدين بإعجاز خارق ليس لغيرهم، ومع جزمه بصحّة ما نصّ عليه القرآن: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]، وعلَّم الله تعالى عبادَه أن يقولوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وما علَّمهم إلاَّ ليستجيب لهم. وفي "الصحيح" (?) أن الصحابة لمَّا قالوها قال الله تعالى: "قد فعلتُ".

وقال الله تعالى في كتابه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5].

فلو قطعنا بأنَّ مَن أخطأ فأخبر بخلاف الواقع غيرَ مقصِّر قد كذب، وبأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل "متعمدًا" ولا ما في معناها = لأوجبت الأدلة العقلية والنقلية أن قوله: "مَن كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار" وإن تناول بلفظه المخطئ غير المقصّر فليس متناولًا له بحكمه. هذا من جهة العقل. فأما من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015