[ص 2] (?) قال أبو ريَّة ص 4: (تعريف بالكتاب)، يعني: كتابه طبعًا. ثم ذكر علوَّ قدر الحديث النبوي، ثم قال: (وعلى أنه بهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة؛ فإن العلماء والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن يسمون رجال الحديث، يتداولونه فيما بينهم ويدرسونه على طريقتهم، وطريقة هذه الفئة التي اتخذتها لنفسها قامت على قواعد جامدة لا تتغير ولا تتبدل. فترى المتقدمين منهم - وهم الذين وضعوا هذه القواعد - قد حصروا عنايتهم في معرفة رواة الحديث والبحث على قدر الوسع في تاريخهم، ولا عليهم بعد ذلك إن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة صحيحًا في نفسه أو غير صحيح، معقولًا أو غير معقول؛ إذ (?) وقفوا بعلمهم عند ما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء ...).

أقول: مراده بقوله "العلماء": المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة. ولم يكن منهم أحد في الصحابة والمهتدين بهديهم من علماء التابعين وأتباعهم والذين يلونهم، هؤلاء كلهم ممن سماهم "رجال الحديث"، ومنهم عامة المشهورين عند الأمة بالعلم والإمامة من السلف. أولئك كلهم ليسوا عند أبي ريَّة علماء؛ لأنهم لم يكونوا يخوضون في غوامض المعقول، بل يفرُّون منها ويَنْهون عنها ويعدُّونها زيفًا وضلالًا، وخروجًا عن الصراط المستقيم، وقنعوا بعقل العامة!

وأقول: مهما تكن حالهم فقد كانوا عقلاء، العقل الذي ارتضاه الله عزَّ وجلَّ لأصحاب رسوله، ورضيهم سبحانه لمعرفته ولفهم كتابه، ورضي ذلك منهم، وشهد لهم بأنهم: {الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 74]، {وَالرَّاسِخُونَ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015