وكأنَّ الأستاذ يحاول إثبات أن الأئمة كمالك وابن معين يوثّقون الرجل إذا رأوا أنه لا يكذب في الحديث النبوي، وإن علموا أنه يكذب في الكلام، ويحاولُ أن يُدْخِل في الكلام ما يرويه الثقات مما فيه غضٌّ من أبي حنيفة، وهكذا ما يرويه أحدهم عن غيره مما فيه غضّ من أبي حنيفة، ولو مِن بُعْد، كرواية هشام المذكورة.
وعلى هذا فيدخل في الكلام الذي لا يمتنع الأئمة من توثيق الكاذب فيه كلُّ كلامٍ إلا ما فيه إسناد خبر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو - والعياذ بالله تعالى - تم هذا للأستاذ لسقطت المرويات كلها، ويأبى الله ذلك والمؤمنون.
أما السنة فإنها لا تثبت إلا بثقة رواتها، وتوثيقُ الأئمة للرواة كلامٌ ليس فيه إسنادُ خبرٍ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهكذا روايةُ مَن بَعْد الأئمة لكلام الأئمة هي كلام، ويدخل في ذلك سائرُ كلماتِ الجرح والتعديل، والمدح والقدح: قولُها، وروايتُها، وحكايةُ مقتضيها، وروايتُه.
فإذا كانوا يرون أن الكذب في ذلك لا ينافي الثقة لم نأمن من أن يكذبوا فيه، وتوثيق مَن بعدهم لهم لا يدفع أن يكونوا يكذبون مثل هذا الكذب، بل يجوز أن يكون ذاك التوثيق نفسه كذبًا، وإن كان قائله ثقةً.
وأما ما عدا السنة من آثار الصحابة والتابعين ونحو ذلك، فكلّه كلام، والمعروف بين أهل العلم أنّ تعمُّد الكذب يوجب ردَّ رواية صاحبه مطلقًا.
[ص 9] وقد قال الخطيب (ص 117): "باب في أن الكاذب في غير