أوَّلَ المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كلَّه عليها. قال الأستاذ هناك: "ولأبي حنيفة بعض أبواب الفقه من هذا القبيل، ففي كتاب الوقف أخذ بقول شريح القاضي، وجعله أصلاً، ففرَّع عليه المسائل، فأصبحت فروع هذا الباب غير مقبولة، حتى ردَّها صاحباه، وهكذا فعل في كتاب المزارعة، حيث أخذ بقول إبراهيم النخعي فجعله أصلاً، ففرَّع عليه الفروع".

إلا أن يقول الأستاذ: إن أبا حنيفة لم يستعمل عقليته الجبارة في تلك الكتب أو الأبواب، وإنما قلّد فيها بعضَ التابعين، كشريح وإبراهيم. فعلى هذا يختص تقديم العقلية الجبارة بما يقوله من عند نفسه غير متبع فيه لأحد.

فعلى هذا نطالب الأستاذ أن يطبِّق مسألة القَوَد على هذه القاعدة.

أما نحن فلا نَعْتد (?) على أبي حنيفة بقول الأستاذ، ولا بحكاية أبي شامة الشافعي الذي بينه وبين أبي حنيفة نحو خمسمائة سنة، بل نقول: لعلّ أبا حنيفة لم يرغب عن انفراد أحدٍ من الصحابة، بل هو موافقٌ لغيره في أن انفراد الصحابي مقبول على كلِّ حال، وإنما لم يأخذ ببعض الأحاديث؛ لأنه لم يبلغه من وجه يثبت، أو لأنه عارضه من الأدلة الشرعية ما رآه أرجح منه.

وإذا كان أبو حنيفة قد يأخذ برأي رجل واحد من التابعين، كشُرَيح في الوقف، وإبراهيم في المزارعة، فكيف يترك سنةً لتفرُّد بعضِ الصحابة بها؟!

فأما التحرّي البالغ، فإن كان هو الذي يؤدِّي إلى قبول ما حقّه أن يُقْبَل، وردّ ما حقّه أن يُرَدّ، فلا موضع له هنا، وإن كان هو الذي يؤدَّي إلى قبول ما حقّه الرد كرأي شُريح في الوقف، ورأي إبراهيم في المزارعة، وإلى ردّ ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015