الدعوى الثانية: دعوى الحذف قبل {تَرْمِيهِم}. ومن الأصول المتفق عليها ما قال ابن هشام: "الكلام إذا أمكن حمله على [التمام امتنع حملُه على] (?) الحذف, لأنه دعوى خلاف الأصل بغير بيّنة. ولهذا امتنع أن يدّعى في نحو (جاء الذي في الدار) أن أصله: الذي هو في الدار" (?).
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: "والاختصار هو الاقتصار على ما يدل على الغرض مع حذف أو إضمار. والعرب لا يحذفون ما لا دلالة عليه ولا صلة [ص 64] إليه, لأن حذف ما لا دلالة عليه منافٍ لغرض وضع الكلام من الإفهام. وفائدة الحذف تقليل الكلام، وتقريب معانيه إلى الأفهام" (?).
قال عبد الرحمن: فالحذف الذي يخالف ذلك، إذا تعمدّه المتكلم كان لحنًا في العربية، ومن جهة أخرى قد يكون كذبًا. فلو كان قبل {تَرمِيهِم} حذف يصرفها إلى الخطاب لكان من هذا. وقد مرّ إبطال ما توهم من قرينة حاليّة أو عاديّة، وبيان القرائن التي تؤيّد رمي الطير.
فأما الشواهد التي ذكرها المعلم، فإنّ لها محلاًّ صحيحًا بليغًا لا يحُوج إلى الحذف. ودعوى الحذف والتقدير فيها ينزل بالكلام عن بلاغته كما سترى. هذا، مع ما تقدم أن هذا ليس من المواضع التي يجوز فيه (?) حذف (كان). وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.