وذكر ابن هشام في بعض رسائله حذف (كان) مع اسمها وأنه ليس بقياس. قال: "إلا بعد أن ولو، ومن ثم قال سيبويه رحمه الله: لا تقل: "عبدَ الله المقتولَ"، بتقدير: كن عبد الله المقتول. وخالف المحققون الكسائيَّ في تخريجه قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: 171] على تقدير: "يكن الانتهاء خيرًا لكم" (?).
قال عبد الرحمن: وممن خالف الكسائي في ذلك: أصحابه الفرَّاء وغيره، مع أن الحذف في {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} أقرب بكثير من الحذف في الآية التي استشهد بها المعلَّم وفي آية الفيل والشواهد؛ لوجود دلالة في {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}. وهو أن {خَيْرًا} منصوب، فلا بدّ له من ناصب، فإذا قدّرت "يكن" بان وجه النصب، فيكون ظهور النصب دليلاً على الحذف. ومع ذلك فالمعنى مفهوم، لا يحصل بحذف "يكن" إلباس، ولا بتقديرها معنى يخالف الظاهر. وهذا بخلاف التقدير في {تَرْمِيهِمْ}.
واعلم أن العلماء حتى النحاة كثيرًا ما يفسّرون الكلام بما يشرح أصل معناه، مع صرف النظر عن التقدير النحوي، فربما يقع في كلامهم ما يوافق تقدير المعلم، فلا تغترَّ بذلك. وقد عقد ابن جنّي في الخصائص بابًا لنحو ذلك (?). وتجد أمثلة كثيرة, فلا حاجة للإطالة بها.