يعتقدون أن الله فوق عرشه بذاته، إلا عددًا قليلاً جدًّا منهم، فإنهم يُظْهِرون القول بقولكم، فإذا فُتَّشوا وُجِدوا مع العامة, أو متشكِّكين، كما تقدم.
[ص 55] فعامة المسلمين إلا أقل قليل يكونون عند من يقول القول الأول كفارًا أو فساقًا، ويلزمهم عنده الخوض في المعقولات حتى يصدَّقوا بأن الله عزَّ وجلَّ ليس في مكان، وتكليفهم الخوض في المعقولات باطلٌ إجماعًا.
وأما القول الثاني فهو أشد بطلانًا، فإنَّ في فِطَر الناس اعتقادَ أن ربهم في جهة العلو، وقد أكد الشرع ذلك في نفوسهم بشرع رفع الأيدي وغيره.
فأما من كان يفهم العربية في الجملة فشأنه أوضح، فليس في الخارج من هو خالي الذهن في هذه المسألة، بل الجمهور على اعتقاد جهة العلو، وقليل جدًّا أكثرهم مُتحيِّرون، وأقلهم مقلدون لكم تقليدًا غير جازم، ولم يبق إلا أفراد يجزمون بقولكم بألسنتهم، والله أعلم بقلوبهم.
وأما القول الثالث فقد تقدم أن المترددين قليل جدًّا، وهم مع ترددهم في الجهة مترددون في اللوازم التي تعدونها كفرًا، ويمكننا أن نقول: إن ترددهم في الجهة قد يستلزم ترددهم في اعتقاد وجود الرب عزَّ وجلَّ.
وأما القول الرابع فقد حاول صاحبه السلامة، لكن اشتراطه نفي اللوازم إن كان يعد منها ما تعبرون عنه بقولكم: "جسم لا كالأجسام" فلم يصنع شيئًا.
وأما القول الخامس فقد قارب صاحبه السلامة، وسيظهر حاله في الكلام على الوجه الخامس.
[ص 56] قالوا: أما جوابكم عن الوجه الخامس فإننا نستعرض ما ذكرتموه من الأدلة الشرعية هذه.