[ص 120] فكيف إذا شئت زيارة الحرمين بالفعل، أو كان أحد الرجلين ببلدة قد وصلها الآخر، فكيف إذا أقاما ببلدة واحدة؟!

والحاصل أن الأصل كما قررناه، وأنه قد تقوم قرائن تصرف عنه، وقد تقوم قرائن تؤيده.

ولنذكر مثالاً آخر يوضّح ذلك الأصل:

كنا في بومباي - مثلاً - فجاء رجل من السند، لم يصل بومباي قبل، فمكث في بومباي بضعة أيام، ثم لقينا، فأخذ يخبرنا عن فلان المدرِّس بمدرسة كذا في بومباي أنه قال كذا، وعن فلان الإِمام بمسجد كذا فيها أنه صلَّى الجمعة بسورة كذا، وعن فلان التاجر بها أن سائلاً سأله فرد عليه بكذا.

فالذي يتبادر إلى الأذهان أنه لقي أولئك الأفراد وسمع منهم، مع أنه لو لم يخبرنا بذلك، لم يترجَّح لنا ألقيهم أم لا.

فتبين أن التبادر إنما جاء من الرواية, فثبت أن الأصل في الرواية, أن تكون عما شاهده الراوي وأدركه.

[ص 121] (2) لعل اصطلاح المحدّثين كان على خلاف ذلك، كما يدل عليه ذهاب ابن المديني والبخاري، ومن تبعهما إلى ما ذهبوا إليه.

(1) قد أسلفنا أن مجرد ذهابهما إلى ذلك القول لا يصلح نقضًا لما نقله مسلم من إجماع السلف، وهو يدل أبلغ دلالة أن اصطلاحهم كان موافقًا للأصل، بل هناك من القرائن ما يدلّ على شدة محافظتهم على الأصل أشدّ من محافظة غيرهم، وذلك مزيد احتياطهم وتثبتهم وجريان عادتهم بالإسناد، والتحفُّظ من نقد النقاد، وغير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015