من تأمل هذه الأمثلة علم أن الذي يتبادر إلى الأذهان من رواية أولئك الأشخاص أنها عن سماع، مع أن الفرض أن الراوي عنعن، وأن السامع لا يعلم المعاصرة بدليل خارجي، فضلاً عن اللقاء، أما إذا علمها فإن الأمر يزداد قوة.
[ص 119] (2) (?) هذه الأمثلة تُعارَض بغيرها، فإذا ذهب شرقيٌّ إلى أوربا، ثم عاد فأخبر عن فلان بإنجلترا، أو عن فلان بفرنسا، وعن فلان بألمانيا، فإن الذي يتبادر عدم السماع، وإن عُلِمت المعاصرة.
(1) هذا التبادر لوجود القرائن الصارفة عن الأصل، كتباعد البلدان وضعف الدواعي إلى زيارتها، وزيادة المشقة في ذلك، ووجود البرق والبريد والصحافة والتأليف بكثرة، وغَلَبة الإرسال بحيث لا تكاد تجد إنسانًا يقول: أخبرني فلان عن فلان، وغير ذلك، ولهذا مثلنا أمثلة بريئة عن القرائن، وإن شئت فتصوَّرْها واقعةً في زمن التابعين حيث كانت الأقوال - ولا سيما السنة - إنما تؤخذ من ألسنة الرجال، فلا برق ولا بريد ولا صحافة، بل ولا تأليف.
والناس يومئذ أهل جدًّ وتشمير في الرحيل لطلب العلم، ولا سيما للقاء أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، فكيف إذا كان الراوي أو المروي عنه بأحد الحرمين، والناس يومئذ كلهم يزورون الحرمين، وكثير منهم من يحج كل سنة؟