يا شنفرى واستنقض الموضع وعد. فورد الشنفرى وشرب وصدر وقال: ما رأيت على الماء أحداً.
قال تأبط شراً: بلى ما يريد القوم غيري! فسر يا شنفرى حتى تكون من خلفهم بحيث لا يرونك وأنت تراهم، فإني سأرد فأؤخذ وأكون في أيديهم فابدلهم يا عمرو حتى يطمعوا فيك، فإذا اشتدوا عليك ليأخذوك وبعدوا عني فابدر يا شنفرى حل عني، وموعدنا قلة جبل الحديد حيث كنا، وورد تأبط شراً وشرب الماء فوثب عليه القوم وأخذوه وشدوا وثاقه، فقال تأبط شراً: يا بجيلة إنكم لكرام فهل لكم أن تمنوا علي بالفداء وعمرو بن براق فتى فهم وجميلها على أن تأسرونا أسر الفداء وتؤمنونا من القتل، ونحن نحالفكم ونكون معكم على أعدائكم، وينشر هذا من كرمكم بين أحياء العرب؟ قالوا: أين عمرو؟ قال: ها هو معي قد أخره الظمأ وخلفه الكلال! فلم يلبث حتى أشرف عمرو في الليل، فصاح به تأبط شراً: يا عمرو إنك لمجهود فهل لك أن تمكن من نفسك قوماً كراماً يمنون عليك بالفداء؟ قال عمرو: أما دون أن أجرب نفسي فلا. ثم عدا فلا ينبعث، فقال تأبط شراً: يا بجيلة دونكم الرجل فإنه لا بصر له على السعي، وله ثلاث لم يطعم شيئاً! فعدوا في أثره فأطمعهم عمرو عن نفسه حتى أبعدهم، وخرج الشنفرى وحل تأبط شراً وخرجا يعدوان ويصيحان: يعاط يعاط! وهي شعار تأبط شراً، فسمع عمرو أنه نجا، واستمر عدواً وفات أبصارهم واجتمعوا على قلة الجبل ونجوا ثم عادوا إلى قومهم، فقال تأبط شراً في تلك العدوة:
يا طول ليلك من همٍّ وإبراق ... ومرّ طيف على الأهوال طرّاق
تسري على الأين والحبّاب مختفياً ... أحبب بذلك من سارٍ على ساق
لتقرعنّ عليّ السّنّ من ندمٍ ... إذا تذكّرن مني بعض أخلاق
نجوت فيها نجاتي من بجيلة إذ ... رفعت للقوم يوم الرّوع أرفاقي