لكن الحق أحب إلي من الأستاذ.
وكان أستاذ الإسكندر ووزيره فأخذ الإسكندر برأيه الأرض كلها. حكي أن أرسطاطاليس سئل: لم حركة الإقبال بطيئة وحركة الإدبار سريعة؟ فقال: لأن المقبل مصعد، والصعود يكون من مرقاة إلى مرقاة، والمدبر كالمقذوف من علو إلى أسفل.
وحكى الحكيم الفاضل أبو الفتح يحيى السهروردي الملقب بشهاب الدين في بعض تصانيفه: بينا أنا بين النائم واليقظان رأيت في نور شعشعاني بمثل إنساني، فإذا هو المعلم، فسألته عن فلان وفلان من الحكماء فأعرض عني، فسألته عن سهل بن عبد الله التستري وأمثاله فقال: أولئك هم الفلاسفة حقاً، نطقوا بما نطقنا فلهم زلفى وحسن مآب!
وحكي أن الإسكندر قال لأرسطاطاليس: قد ورد الخبر بفتح المدينة التي أنت منها فماذا ترى؟ قال أرسطاطاليس: أرى أن لا يبقى على واحد منهم كيلا يرجع أحد يخالفك! فقال الإسكندر: أمرت أن لا يؤذى أحد فيها احتراماً لجانبك. فكلام الوزير عجب وكلام الملك أعجب منه.
وينسب إليها ديوجانس، وكان حكيماً تاركاً للدنيا، مفارقاً لشهواتها ولذاتها، مختاراً للعزلة ولا يرضى باحتمال منه من أحد، حكي أنه كان نائماً في ستان في ظل شجرة، فدخل عليه بعض الملوك فركله برجله وقال له: قد ورد الخبر بفتح بلدتك! فقال: أيها الملك فتح البلاد عادة الملوك، لكن الركل من طباع الدواب! وحكي أنه رأى صياداً يكلم امرأة حسناء فقال له: أيها الصياد، احذر أن تصاد! وحكي أنه رأى امرأة حسناء خرجت للنظارة يوم عيد فقال: هذه ما خرجت لترى إنما خرجت لترى! وحكي انه رأى رجلاً مع ابنه، والابن شديد الشبه بأبيه، فقال للصبي: نعم الشاهد أنت لأمك! وحكي انه نظر إلى شاب حسن الصورة قبيح السيرة فقال: يت حسن فيه ساكن قبيح! وينسب إليها بطليموس صاحب العلم المجسطي الذي عرف حركات الأفلاك وسير الكواكب بالبراهين الهندسية، فذكر أن بعض الأفلاك يتحرك من المغرب إلى المشرق، وبعضها من المشرق إلى المغرب، وبعضها سريع الحركة، وبعضها بطيء الحركة، وبعضها يدور رحوية، وبعضها يدو دولابية، وبعضها يدور حمائلية. وان حركات الكواكب تابعة لحركات أفلاكها، ومن الأفلاك بعضها محيطة بكرة الأرض وبعضها غير ميطة، وبعضها مركزها مركز الأرض وبعضها مركز خارج من مركز الأرض. وأقام على ذلك كله البراهين الهندسية ومسح الأفلاك برجاً برجاً، ودرجة درجة، وثانية ثانية حتى يقول: في يوم كذا وفي ساعة كذا يكون الكسوف أو الخسوف، ويقع كما قال. وأعجب من هذا أنه يبين بالبراهين الهندسية أن ما بين المساء والأرض من المسافة كم يكون ميلاً، وأن كل فلك من الأفلاك تحتها كم يكون ميلاً، ودورتها كم تكون ميلاً، وقطرها كم يكون ميلاً. ومن أعجب الأشياء وضع الاصطرلاب والتقويم. فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم! وينسب إليها بطلميوس صاحب الأحكام النجومية. يزعم أنه حصل له بالتجربة مرة بعد أخرى وقوع الحوادث بحركات الأفلاك