وحكي أن في زماننا عدا رجل في وسط همذان ويقول: يا قوم ادركوا الأسد فإني رأيته يهرب. فخرج من المدينة خلق كثير فرأوا الأسد بحاله، فيقول بعضهم: عدا من ثم إلى ههنا. وهذا دليل على بلاهة القوم.
وينسب إليها أبو الفضل بديع الزمان. كان أديباً فاضلاً ظريفاً، والمقامات التي جمعها دلت على غزارة فضله وفصاحة كلامه ولطافة طبعه. ولهذا قال أبو القاسم الحريري: إن البديع سباق غايات وصاحب آيات.
وحكي أن صديقاً له كتب إليه يشكو ويقول: إن الزمان قد فسد! فأجابه البديع: أتزعم أن الزمان قد فسد؟ ما تقول لي متى كان صالحاً: أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها وقد سمعنا أولها؟ أم في الأيام المروانية وفي أخبارها ما يكسع الشول بأغبارها؟ أم في الأيام الحربية والسيف يغمد في الطلى والرمح يركز في الكلى؟ أم في الأيام الهاشمية وعلي، عليه السلام، يقول: ليت لي بعشرة منكم واحداً من بني فراس بن غنم؟ أم في أيام عثمان وقد قام النفير بالحجاز وشخصت العيون من الإعجاز؟ أم في الخلافة العدوية وصاحبها يقول: بعد النزول إلى النزول؟ أم في الخلافة التيمية وأبو بكر يقول: طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام؟ أم في عهد الرسالة وقد قيل فيه: اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة؟ أم في الجاهلية ولبيد يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلفٍ كحلد الأجرب؟
أم قبل الجاهلية وأخو عاد يقول:
بلادٌ بها كنّا، وكنّا نحبّها ... إذ النّاس ناسٌ والبلاد بلاد؟
أم قبل ذلك وقد روي عن أبينا آدم، عليه السلام، أنه قال:
تغيّرت البلاد ومن عليها ... ووجه الأرض مغبرٌّ قبيح؟
أم قبل خلق أبينا آدم وقد قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها؟ فاعلم