وهناك حقيقة لا بد من تأكيدها هنا، وهي أن مفتاح الدخول إلى هذه الآثار وفهمها حق الفهم لمعرفة الإبراهيمي حق المعرفة، ولتقديره بما هو جدير به، ليس الإطلاع على حياته فحسب، بل ضرورة الإطلاع على هذه الحقبة التاريخية المتميزة في حياة الجزائر والوقوف على مختلف أبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وفهم تطور الوعي في المجتمع الجزائري الذي تطورت معه أساليب المقاومة والجهاد من أجل التحرير والاستقلال لأن الذي لا يفهم طبيعة هذه المرحلة فهما دقيقا لا يستطيع أن يفهم رسالة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أو يدرك أهدافها البعيدة التي رسمتها وجاهدت من أجل تحقيقها، هذه الجمعية التي نشط فيها الإبراهيمي مع غيره من إخوانه العلماء، فكان نائبا لرئيسها الأول الإمام عبد الحميد بن باديس في حياته، ثم رئيسا لها بعد وفاته.
وإذا استعرضنا العوامل الحاسمة في نهوض المجتمع الجزائري في العصر الحديث دينيا وفكريا واجتماعيا وسياسيا، نجمل ذلك في حركتين بارزتين ومتكاملتين:
1 - الحركة العلمية الإصلاحية الدينية التي انطلقت بوادرها مع بداية القرن العشرين، ثم تطورت بقيام الشيخ عبد الحميد بن باديس بالتدريس في قسنطينة، غداة تخرجه من الجامعة الزيتونية سنة 1913، ونضجت هذه اليقظة مع عودة بعض العلماء من مهجرهم بالشرق العربي إلى الوطن، أمثال أبي يعلى الزواوي، والطيب العقبي، والبشير الإبراهيمي، ثم تبلورت في إنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1931، غداة احتفال فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر، اعتقادا منها أنها قضت على الشخصية الجزائرية نهائيا بقضائها على الإسلام والعروبة فيها، ومما قاله أحد الحكام الفرنسيين في الجزائر بهذه المناسبة: "إِنَّنَا لَنْ نَنْتَصَرَ عَلَى الْجَزَائِرِيِّينَ مَا دَامُوا يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَكَلَّمُونَ الْعَرَبِيَّةَ، فَيَجِبُ أَنْ نُزِيلَ الْقُرْآنَ مِنْ وُجُودِهِمْ، وَأَنْ نَقْتَلِعَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ".
2 - الحركة السياسية ممثلة في تأسيس حركة "نجم شمال إفريقيا" في باريس من العمال المهاجرين لكل من تونس والجزائر والمغرب عام 1927 وما تلاها كتأسيس "حزب الشعب الجزائري " عام 1937، ثم "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" عام 1946، وما تولد عنها من منظمات سرية وعلنية تألقت بمواقف وتضحيات بطولية مشهودة، وأخيرا كل ما عزز الكفاح الوطني من حركات سياسية وثقافية كـ "أحباب البيان والحرية" و "الكشافة الإسلامية الجزائرية ".
وإذا كانت الحركات السياسية اعتمدت- بحكم طبيعتها- الكفاح السياسي لبلوغ غايتها، وتجنيد فئات الشعب حول برامجها، فإن الحركة الدينية التي تمثلها "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين " مهدت السبيل باعتماد أسلوب الإصلاح الديني والاجتماعي الذي هيأ الأنفس