وإني لأكتفي اليوم بهذه الكلمات القلائل تحية لجمعية علماء الجزائر وشيخها الجليل الذي يجاورنا اليوم، فيبعث فينا من روحه القوي شعاعًا حارًا، ويشعرنا بأن في العالم الإسلامي رجالًا .. رجالًا من طراز فريد ولن يموت هذا العالَم وهو يبعث من أعماقه بمثل هؤلاء الرجال".

الإصلاح وجمعية العلماء:

لم يكتب أحد عن الإصلاح الديني والاجتماعي بعد الإمامين المصلحين: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، والعالم السوري الشيخ عبد القادر المغربي- فيما سجله في كتابه "البيّنات" الصادر في القاهرة سنة 1925 - أبلغ وأشمل وأعمق مما كتبه أستاذنا الإمام الإبراهيمي في وثيقة قدّمها في المؤتمر الخامس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين المنعقد بنادي الترقي بالعاصمة، في سبتمبر 1935، حيث تناول فيها بالتفصيل تاريخ الإصلاح الديني والاجتماعي، في الجزائر والمشرق والمغرب، وسجل بتحليل عميق أدواء الجزائر والأمة الإسلامية قاطبة، في شتى المجالات الدينية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فأرجع كل تلك الأدواء إلى "علة العلل" فيما حلَّ بالأمة الإسلامية من تخلّف وتيه وتفرّق وضعف، واستكانة، واستغلال، واحتلال، فيقول: "كيف يشقى المسلمون وعندهم القرآن الذي أسعد سلفهم؟ أم كيف يتفرّقون ويضلّون وعندهم الكتاب الذي جمع أوّلَهم على التقوى؟ فلو أنهم اتّبعوا القرآن وأقاموا القرآن لما سخر منهم الزمان، وأنزلهم منزلة الضّعة والهوان، ولكن الأولين آمنوا فأَمِنُوا واتبعوا فارتفعوا، ونحن ... فها قد آمنّا إيمانًا معلولًا، واتّبعنا اتّباعًا مدخولًا، وكل يجني عواقب ما زرع".

خصائص أدب الإبراهيمي:

إن الأستاذ الإبراهيمي قبل أن يكون إمامًا مصلحًا، وفقيهًا أصوليًا، ومربيًا حكيمًا، وسياسيًا محنكًا، كان أديبًا شاعرًا، وخطيبًا مفوّهًا، يهزّ القلوب ببيان ساحر، يعيد إلى الأذهان ما كان للخطابة العربية من مكانة وسلطان في عهودها القديمة الزاهرة.

وهو محدّث بارع لطيف، يعمر مجالسه بالحكمة، ويجمّلها بالنكتة، ويعطرها بأريج اللطف، ينعش الأرواح، ويؤنسها بشعاع من الفكر يهدي العقول.

وهو ديوان لأيام العرب وآدابهم وتقاليدهم، في أفراحهم وأحزانهم، في حربهم وفي سلمهم، يروي عن فهم وبصيرة، ويصدر عن حافظة واعية خارقة للعادة، وذاكرة تحت الطلب ملبية منجدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015