بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث هداية ورحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
إذا كان من العظماء من لا يقدره معاصروه حق قدره، وإنما تنتصر له الأيام عندما تؤكّد مصداق ما نادى به ودعا إليه، فإن من العظماء من ملأوا الدنيا وشغلوا الناس في حياتهم ومن بعد مماتهم، ومن هؤلاء الشيخ الإمام محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله.
إن التقديم لآثار شيخنا يضطر صاحبه إلى الحديث عن مجالات كثيرة، نظرًا لِغِنَى مواهبه، وسعة علمه واطلاعه وقوة شخصيته من جهة، ونظرًا لتعدد اهتماماته وطول جهاده وامتداد تأثيره من جهة أخرى، ولكن المجال لا يسمح بالتطويل.
عرفت الجزائر ثورات وأعمالًا كثيرة، من عهد المقاومة الأولى بقيادة الأمير عبد القادر، لكنها جميعًا لم تحظ بالانتصار الحاسم على العدو، وليس السرّ في تلك النتائج السلبية خللًا في القيادة: إيمانًا وإخلاصًا ومهارة حربية، ولكنّ السرّ كان في أمور كثيرة، منها ما يرجع للظروف العالمية التي كانت في تلك العهود، تعمل على بسط العدوان والاحتلال والاستغلال لا على نشر الحرية والعدل والاستقلال. على أن الخلل الأكبر في الخيبات التي مُنيت بها الجزائر وغيرها من البلاد الإسلامية، خلل ذاتي يتمثل في تدهور البنية الاجتماعية للشعوب الإسلامية، بما تفشى فيها من خمول وأنانية، وتوأكل وتخاذل وفهْمٍ سيىء لمعاني القضاء والقدر، وطاعة أولي الأمر والنجاة والتهلكة، والجهاد والاجتهاد إلى غير ذلك من الأمراض التي لا تساعد على تعبئة كل الطاقات لمواجهة العدو المشترك والاحتلال المخيم بكلَاكِلِه على