شأن إبراهيم معها غير هذا الشأن، شأنه أنه قبَّحها في نظر قومه أشنع تقبيح، وقرعهم (60) على عبادتها أعظم تقريع، ولما لم تغن فيهم تلك القوارع (61) ولم توثر في نفوسهم القاسية البراهين الصوادع (62)، راغ (63) يجلي (64) تلك الأوثان ضربًا باليمين حتى جعدها جذاذًا (65) وحطمها تحطيمًا، وهذه هي المرتبة الرفيعة، مرتبة تغيير المنكر باليد سنّها أبو الأنبياء إبراهيم وتبعه فيها موسى حينما قال للسامريّ (66): { ... وَانْظُرْ (67) إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ (68) عَلَيْهِ عَاكِفًا (69) لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (70)، وتبعهما خِتَامُهم وأفضلُهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فحطم أوثان العرب المحيطة بمكة، وأرسل أصحابه يهدمونها في كلّ حيّ، ولم تغنِ عن طاغية ثقيف شفاعةُ ثقيف.

ومن آفات البعد عن هداية القرآن وعلوم القرآن وتربية القرآن أن الوثنية التي أودت (71) بالأمم قبلنا، وكانت علة العلل في ضلالها وشقائها، ولقي منها رسل الله الْأَلاقي (72) حتى قال نوح في الوثنيين من قومه، بعد أن ذكر أسماء أوثانهم: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا (73) ... )، وقال إبراهيم في أوثان قومه: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ (74) ... )، هذا المرض الفتاك الذي استعصى على أولي (75) العزم من رسل الله علاجُه، هو الذي غفل عنه المسلمون، وهون شأنَه علماؤهم الجامدون حتى استشرى (76) وأَعضل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015