تبشير الملائكة له ولزوجته بالولد، بعد أن مسّهما الكِبرُ في سورة هود (10). وهاتان الحادثتان أغربُ من حادثة بناء الكعبة المذكورة في هذه السورة (11)، وفي سورتي البقرة (12) والحج (13)، وان كان بناء الكعبة أعظم منهما أثرًا وأيسرَ ذكرًا، ولكن تسمية السُّوَر القرآنية ليست بالهوى والتّشهّي، والمناسبات الفنية، والاعتبارات الذوقية، والملاحظات الاصطلاحية، وإنما هي توقيف من رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، فحسْبُنا فيها الاتباع. وهذه السورة التي ختمت بهذه الآية بُدِئت بقوله تعالى: {كِتَابٌ (14) أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ (13) النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (16).} وإن استهلالَ سورة نسبت إلى إبراهيم واختتامَها بالتنويه بكتاب الإسلام لَإشْعارٌ لنا بالصلة الوثيقة بين دين إبراهيم ودين الحق الذي جاء هذا الكتاب لبيانه، وبالأصالة العريقة التي انفرد بها هذا الدين الحنيف، تلك الأصالة التي قرّرتها آيات من القرآن في توحيد الله وفي تقرير سُننه في الخَلق والتكوين والجزاء وسرائر (17) البشر، قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ (18) بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (19) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَنْ لَيْسَ (21) لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (22).} وقال تعالى، بعد أن ذكر طائفة من شؤونه في خلْقه: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (23).} وقال: { ... مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ (24).} فإبراهيم الّذي جعله الله إمامًا للناس هو الأب الروحي لكل من أسلم قلْبَه ووجْهه لله، وقد أخرج الله من صلبه طائفتين عظيمتين كانتا في تاريخ العالم الإنساني مظهرًا لدين الله في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015