كل ذنب الفضيل أنه أراد أن يعالج ناحية من نواحي تلك المملكة الشقية، فعاجلته الأيدي الخفية- التي لا تريد إصلاحًا- بتلك الحادثة.
وبعض ذنبه- إن كان هذا يسمّى ذنبًا- أن جرأته على مصارحة الأمير القتيل بلزوم الإصلاح، وتنبيهه إلى مواقع الخطر المترتّب على الإهمال، كل ذلك جرّأ الطائشين على التعجّل بأمر لم يجيلوا فيه روية، ولا تدبّروا له عاقبة، والمعاني الكبيرة لا تحتملها العقول الصغيرة، وأعان على ذلك ظلم طال أمده واتّسع مداه، وتظلّم خفت صوته فلم يتردّد صداه.
إننا نعلن- نيابة عن الأستاذ الورتيلاني بما لنا عليه من حق الأبوّة- أنه يستحق التبرئة والاعتذار إليه، لا العفو، إذا كانت العقول قد ثابت إلى رشدها، وطهر الجو من الروائح الاستعمارية التي أفسدته؛ أما إذا كان الإمام لا يحسن الإمامة، وكان السيف لا يقطعُ إلا أوصال جاليه، فخير للفضيل أن تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق من أن تكتب في تاريخه الحافل "طرة" وهي أنه (مجرم معفو عنه).
...
إننا قوم لا نرضى من الأخلاق إلا أن تكون عقائد، وإن هذه الاعتبارات هي التي أسكتتنا عن الحديث في هذا العفو، وإن لامنا عن هذا السكوت اللاءلمون؛ أما ما جرّته تلك التهمة على الأستاذ الفضيل من تنكّر الملوك له، وضيق الحكومات به، فهو امتحان البطولة، وطالما أدّاه الأبطال قاسيًا ثقيلًا؛ وما زالت العليا تعي غريمها، كما يقول ابن خميس؛ وهو دليل البطولة، والبطولة منها عليها شواهد.
وأما ما لقيه بسببها من تجهّم بعض الأصدقاء، فهو دليل على أن صداقتهم كانت على دخن، أو من شماتة بعض الخصوم، فهو دليل على أنه كان غيظ الحاسد، ومسيح الدجاجلة، وكل ذلك مما يغلي قيمة الفضيل، ويبين عن صفاء جوهره، وأن تلك الغمّة العارضة ما زادت على أن كانت تلقيحًا في رجولته، وتنقيحًا في أصدقائه، وافتضاحًا لخصومه ...