مما أفسد نظام الأمم كثرةُ الأمراء، ومما شوّه جمال الأدب في عصرنا كثرة الشعراء، ولم يكف ذلك حتى كثر فيهم أمراء الشعراء، ولقد كنّا نسمع بملوك الطوائف في الحكم، ولكننا لم نسمع إلا في هذا العصر بملوك الطوائف في النظم، ففي كل قطر شعراء وأمير شعراء، ينازعه حبل الإمارة شاعر أو شاعران أو شاعرون (فقد مللنا جمع التكسير لكثرة ما تردد، كما سئمنا من مفهومه هنا لكثرة ما تعدّد)؛ وإن نتيجة النتائج لهذه الكثرة أن تنتهي إلى شيوعية في الأدب تقضي على جيّده بذنب رديئه.

لو كانت هذه الألقاب صاحبتْ ذويها كأسمائهم من يوم الولادة، لوسعنا العذر في السكوت على نقصها وشينها، كما وسعنا العذر فيمن سمّوه "منصورًا" فشبّ مخذولًا، ودعوه "نفيسًا" فجاء مرذولًا، ولكنها تأتي مع الفتوّة أو مع الكبر، فواجبٌ أن نحتاط لها، وأن لا نجعلها عناوين على الإحسان، وموازين للرجحان.

وأما الأمر الثاني فهو أن محمد العيد وأمثاله من المحسنين لفنونهم، قد شبّوا عن طوق هذه الألقاب الجوفاء، فزهد فيها زهدًا كأنه طبيعي فيه، شأن المتشبعّ بفنّه، المتقن لصنعته، حسبه من الشهود الإتقان والإحسان؛ أما هذه الألقاب فإنهم لا يرونها بالعين التي يراها بها الناقصون: لا يرونها مكفلةً لهم، ولا زائدةً فيهم، فهم كالسيوف، أروع ما تكون مجرّدة، وإذا كانت قيمة الحاوي بجرابه، فما كانت قيمة السيف - في عقل العقلاء- بقرابه، وإنما هي بالجوهر والفرند، ثم بالتصميم في الضريبة.

إن الألقاب لا تزيد في قيمة محمد العيد إلا بمقدار ما زادت "الباشوية" في قيمة طه حسين.

على أننا نعتناه بالنعت المفصَّل على ذاته، المفصِّل لآياته، وهو: شاعر الحكمة والمثل، إذ هما قاعدة شعره، وخاصتا مقاطعه وقصائده، ويزيد على تناول الحكمة والمثل بأنه "صدّاح غير مدّاح".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015