الجمل، في موضع اللآلئ من العقد، وما جاء حسن العقد منظومًا، إلا من حسنه منثورًا، ثم تكون الحِكم والأمثال والنكت كفواصل الجمان في العقود الثِّمان.
...
انتقاد. وردّه:
انتقد بعض الأدباء تجريدنا للشاعر محمد العيد من الألقاب التي هو أحقّ بها وأهلها، واقتصارنا في وصفه على لقب: "شاعر الحِكم والمثل"، فيما صدرنا به قصيدته الحكيمة في احتفال بسكرة.
ونحن نقول لهذا المنتقد المخلص، إننا جرّدنا شاعرنا من تلك الألقاب مخلصين، عن عمد، لأمرين خطيرين. أما الأول فهو أن هذه الألقاب الأدبية أصبحت كالألقاب الحكومية، يتمجّد بها من لا يستحق التمجيد، ليكمل بها نقصه، ويوازن بإيقاعها رقصه، حتى أصبح الناس مترددين في وجه الاستحقاق وعلّته، أهو كماله لينقص بها؟ أم نقصه ليكمل بها؟
وقد أصبحت هذه الألقاب موردًا آجنًا لكثرة طرّاقه، وأسرف الفارغون في خلعها على الفارغين، ونظرنا ... فإذا هي لم تنفق كاسدًا، ولم يَنْبُه بها خامل، وانما مكّنت للزور ومهّدت، وسوّت بين السابق وبين المتخلف، فتعسر التمييز، واعتبر أثرها في قائدين: (قائد) الجيوش في الميدان و (قائد) الجحوش في الدوار، ذاك يبلغ المجد صاعدًا، وهذا يريده قاعدًا، فهل يستون مثلًا؟ ولكن اللقب سوّى بينهما على رغمي ورغمك.
وكل شيء كثرت فيه الدعوى، وعمت به البلوى، وجمع الاشتراك فيه أخلاطًا وأنماطًا، وعربًا صرحاء وأنباطًا، ترفّعت عنه الهمم العالية، وأذاله التبذّل فنزل به إلى قرارة البخس، وإن كان في نفسه جليلًا. وما بعبث خلقُ الله الناسَ طبقات، وجعله الأقدار درجات، وتقديره الأرزاق قسمًا، وتوزيعه المواهب حظوظًا وحصصًا، كذلك ... وما بعبث تخصيص العرب كل نفيسة من الأشياء باسم يميّزها من جنسها: ففي الشعر عيون، وما كله بعيون، وفي النساء عقائل، وما كلهن عقائل، وفي النجوم دراري، وما كلها دراري؛ وفي الجوهر فرائد، وما كله فرائد، وفي المال كرائم، وما كله كذلك.
فإذا فسد الذوق، فأطلقنا الأسماء الخاصة على الجنس العام، وقلنا في الأمَة الوكعاء: إنها عقيلة نساء، وفي العنز الجرباء إنها كريمة مال، ثم أوغلنا في التشبيه على هذه الطريقة، فقلنا في شموع (المولد): إنها كواكبُ دُرّية، وفي صواريخ الصبيان: إنها قنابل ذريّة- إذا فعلنا ذلك- أفسدنا اللغة أولًا، ثم أفسدنا الأخلاق ثانيًا، وملأنا العالم بالزور والغرور.