تُماضر (6) الخنساء لعوبًا بأطراف الكلام المشقّق، كأنما وُلد في مكّة، واسترضع في إياد، وربا في مسلنطح البِطاح.
أتمثّله مجتمع الأشدّ على طراوة العود، بعيد المستمرّ على ميعة الشباب، يحمل ما حمّل من خير لأن يد الإسلام طبعته على الخير، ولا يحمل ما حمّل من شر لأنّ طبيعة الإسلام تأبى عليه الشر؛ فتح عينيْه على نور الدين، فإذا الدنيا كلها في عينيه نيّرة مشرقة، وفتح عقله على حقائق الدين، فإذا الدين والكون دالٌّ ومدلول عليه، وإذا هو يفتح بدلالة ذاك مغالق هذا، وفتح فكرَه على عظمة الكون فاهتدى بها إلى عظمة المكوّن، فإذا كلّ شيء في الكون جليل، لأنه من أثر يد الله، وإذا كل شيء فيه قليل، لأنه خاضع لجلال الله، ومن هذه النقطة يبدأ سموّ النفوس السامية وتعاليها، وتهيُّؤها للسعادة في الكون، والسيادة على الكون.
أتمثّله مجتلًى للخِلال العربية التي هي بواكير ثمار الفطرة في سلاستها وسلامتها، كأنّما هو منحدر لانصبابها وقرارة لانسكابها، وكأنما خيط على وفاء السموأل وحاجب (7)، وأشرج على إيثار كعب وحاتم (8)، وخُتم على حفاظ جسّاس والحارث (9)، وأغلِق على عزة عوف وعروة (10).
أتمثّله مترقرق البشر إذا حدّث، متهلّل الأسِرَّة إذا حُدّث، مقصورَ اللسان عن اللغو، قصير الخُطى عن المحارم، حتى إذا امتدَّت الأيدي إلى وطنه بالتخوّن، واستطالت الألسنة على دينه بالزراية والتنقص، وتهافتت الأفهام على تاريخه بالقلب والتزوير، وتسابق الغرباء إلى كرائمه باللَّصّ والتدمير، ثار وفار، وجاء بالبرق والرعد، والعاصفة والصاعقة، وملأ الدنيا فعالًا، وكان منه ما يكون من الليث إذا دِيس عَرينه، أو وُسم بالهون عِرْنِينُه.