تسلّمه أمة إلى أمّة، وتأخذه أمة عن أمة فتزيد فيه أو تنقص منه بحسب ما يتهيّأ لها من وسائل وما يؤثر فيها من عوامل … وقد أصبح احتكار المدنية لأمم خاصة تقليدًا شائعا متعاصيا عن التمحيص والنقد، ومن هذا الباب احتكار الغربيين للمدنية القائمة اليوم، وما هي في الحقيقة إلا عصارة الحضارات القديمة ورثها الغربيون عمن تقدمهم، وقاموا عليها بالتزيين والتحسين والتلوين، وطبعوها بالطوابع التي اقتضاها الوقت، وانتحلوها لأنفسهم أصلا وفرعا، ولا تزال التنقيبات عن مخلفات الحضارات القديمة تكشف كل يوم عن جديد يفضح هؤلاء المحتكرين ويقلل من غرورهم" (11).
والمثقفون- في نظر الإبراهيمي- هم المسؤولون عن إنجاز مشروعه النهضوي لأنهم "هم حَفَظَة التوازن في الأمم وهم القَوَمَة على الحدود أن تهدم، وعلى الحرمات أن تنتهك، وعلى الأخلاق أن تزيغ، وهم الميزان لمعرفة كل إنسان حد نفسه، يراهم العامي المقصر فوقه فيتقاصر عن التسامي لما فوق منزلته، ويراهم الطاغي المتجبر عيونا حارسة فيتراجع عن العبث والاستبداد" (12)، وعلى المثقفين "الامتزاج بالأمة والاختلاط بطبقاتها والتحبّب إليها ومشاركتها في شؤونها الاجتماعية، والدخول في مجتمعاتها ومعابدها، ومشاركتها في عبادتها وفي الصالح من عوائدها .. ، وثقة الأمة بالمثقفين هي رأس المال في هذا الباب " (12).
لقد طبَّق الإبراهيمي مشروعه النهضوي في حياته؛ إذ لقَّن العلم والدين والأخلاق كمدرس بالمدينة المنورة ودمشق في العقد الثاني من هذا القرن الميلادي، ثم كمدرس بمدينة سطيف في العقد الثالث، ثم كمدرس بمدينة تلمسان في العقد الرابع، ثم كزعيم حركة دينية وثقافية عظيمة بالقطر الجزائري في العقد الخامس، أما أهمية الاقتصاد والمال فلم يهملها فحث أنصاره وتلامذته على الاهتمام بهذا الجانب- خاصة بشراء ما أمكن من الأراضي الزراعية عن المعمرين، وهي أراضي كانت سلبت من أجدادنا، وبإنشاء تعاونيات بين التجار والحرفيين- واستطاع في الأربعينات أن يدفع تجار القطر الجزائري الكبار إلى إنشاء شركة كبيرة تواجه الاحتكارات الاستعمارية آنذاك (13).
لقد سمعت الشيخ العربي التبسي (14) - رحمه الله- يردّد في كثير من مجالسه: "إن الإبراهيمي فلتة من فلتات الزمان، وأن العظمة أصلٌ في طبعه ". والعظمة الحقيقية- في رأيي-