بين الفلاحين وبين التجار لتقي الصغار من الجانبين شرَّ تحكم الأجانب في أملاكهم ومجهوداتهم، ثم تأسيس مصارف مالية صغيرة تكون واسطة بين الجميع وتكون مع ذلك مستودعا للأموال المخزونة المعطلة ومرجعا لصناديق التوفير والاحتياط التي يجب أن تصحب هذه الحركة".
هذا المشروع النهضوي الذي حدد معالمه الإبراهيمي عام 1929 ينطلق من وعي كامل أن الجزائر تنتمي إلى الحضارة الإسلامية، وأن في كل حضارة ثابتا ومتحولا، وأن المحافظة على الثابت هو حفظ للشخصية الوطنية من الاستلاب: "إن مشخصات الأمم منها جوهر ومنها عرض، وإن الجوهر منها هو الصالح للبقاء، وإنه لا يد للفرد وللجماعة في تكييفه كما يشاء أو كما تشاء، وأن تطوره موكول إلى تدبير الاجتماع لا إلى تدبير الجماعات، وأن العرض منها هو محل التبديل والتغيير، يصلح لزمن فيؤخذ، ولا يصلح لآخر فينبذ، فالمحافظة على جوهر المقومات ليست محافظة وإنما هي حفظ للقومية من الاندغام والتداخل وعماد لها أن تتداعى وتسقط، وأما الأعراض فهي قشور تتحول وتزول كأوراق الخريف توجد وتعدم، والشجرة شجرة" (8).
وفي عام 1931، تأسست جمعية العلماء فأدرج الإبراهيمي مشروعه النهضوي في القانون الأساسي للجمعية الذي حرره في نفس السنة (9)، وفي نص أساسي صدر به سجل مؤتمر جمعية العلماء سنة 1935 (10)، والذي شرح فيه أسباب تأخر المسلمين وتقدم غيرهم، والذي حدد فيه شروط النهضة الجزائرية التي- أكد من جديد- أنها يجب أن تقوم على الإسلام: "أي شباب الإسلام، إن الأوطان تجمع الأبدان، وإن اللغات تجمع الألسنة، وإنما الذي يجمع الأرواح ويؤلفها، ويصل بين نكرات القلوب فيعرفها فهو الدين، فلا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيقة، ولكن التمسوها في الدين، والتمسوها من القرآن تجدوا الأفق أوسع، والدار أجمع، والعديد أكثر، والقوى أوفر".
ثم حذر من المشروع التغريبي، وحدد موقفا واضحا وصارما من الاستعمار والتبشير والاستشراق والإلحاد، والطرقية والبدع والخرافات والأمية التي تمهد كلها لغزو المشروع التغريبي، وتقف في نفس الوقت عائقا دون تحقيق المشروع الإسلامي.
ويؤكد الإبراهيمي أن العلوم العصرية- التي هي إحدى الدعائم لإنجاز مشروعه النهضوي- يجب أن ننهل منها بدون عقدة، لأن الحضارة "هي في الحقيقة تراث إنساني