"وإن لهذه النياشين لأسماء ونسبًا إلى أعمال، فهل فيها أسماء دينية أو نسب إلى أعمال دينية؛؛ " [ص:122].

ويخترع الإبراهيمي بخياله الأدبي الفسيح، وثقافته العرفانية الواسعة، عناوين استحقاق للأوسمة الدينية مستوحاة من حقيقة الفقه، والثقافة الإسلامية، فيجيب على سؤاله المطروح بقوله:

"لا تتم المهزلة على وجهها الأكمل إلا إذا وضعت لنياشين رجال الدين أسماء دينية وعناوين فقهية، لمعان يتفاضلون فيها؛؛ كنيشان (إطالة الغرة والتحجيل)، ونيشان (كثرة الخطى إلى المساجد)، ونيشان (التهجير إلى الجمعة)، ونيشان (الطمأنينة والاعتدال)، ونيشان (وإن تشاح متساوون) وتختم القائمة بشيء خاص بأمثال العاصمي كنيشان (وقبل خبر الواحد)، ونيشان (واشترك طارد مع ذي حبالة) [ص:123].

إن كل مصطلح من هذه المصطلحات يحيل إلى قضية فقهية أصولية في الثقافة الإسلامية، وأنى لغير المتضلعين في هذه الثقافة من فهم مرامي الخطاب هنا، وتقبيح حاملي النيشان، بغير استحقاق من "رجال الدين".

لذلك كان ضروريًا، الاستعانة على دراسة الخطاب الإبراهيمي، بإحداث القابلية والاستعداد، ولن يتأتى ذلك إلا بالأخذ بنصيب من فنون الثقافة الإسلامية، وملء الوطاب بمفاتيح الدخول إليها، مما سبق ومما سيأتي ذكره.

4 - الفكر العقلاني:

قد نظلم الخطاب الإبراهيمي، لو أننا قصرناه على الجانب المعرفي الفقهي، الصوفي، البياني، البلاغي، وفصلنا عنه الجانب الفلسفي، العقلي، العلمي ... ذلك أن هذا الخطاب يأبى إلا أن يأخذ حظه من هذه الجوانب المعاصرة كلها، وفي براعة لا تقل عما ألفناه عنده في مجال الذوق الأدبي، والبيان البلاغي، والتبحر الفقهي، والذكاء السياسي ...

فقد جاء الخطاب حسب دراستنا له، معاصرًا لاهتمامات العقل آنذاك، فاتسم بالحكمة الفلسفية من حيث المعنى، وبالنزعة العقلية من حيث البرهنة، فكان خطابًا متوازنًا ذا تعادلية، تجمع بين الفلسفة والدين، دونما غلو أو إفراط.

ونعتقد أن ذلك كان ضروريًا من حيث المنهج، إذ أنه مطلب أمْلَتْه الظروف السياسية والفكرية، والثقافية المحيطة، فكان لابد- إذا أريد للخطاب أن يحقق هدفه- من ركوب المنهج الفلسفي والعقلي لإكساب القضية الكبرى، قوة الحجة، ومنطقية الدليل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015