اثار ابن باديس (صفحة 1507)

الأدوات ومن قرأ القرآن بعقله فهم ما نفهم من آياته وعلم كما نعلم أن مدن سبأ كانت عامرة بالبساتين عن يمين وشمال. ويمين من؟ وشمال من؟ إنه ولا شك يمين السائر في تلك المدن أو الأراضي وشماله ومعنى هذا أن طرق السير كانت منظمة تبعا لتنظيم الغروس عن يمينها وشمالها والاكتشافات الأثرية اليوم التي كان لليمن حظ ضئيل منها وإن كان على غير يد أهلها - تشهد بأن أمم الحضارات اليمنية كانوا من أسبق الأمم إلى بناء السدود المنيعة لحصر المياه والانتفاع بها في تعمير الأرض, وإقامة السدود لا تتم بالفكر البدوي .. والعمل اليدوي, بل تتوقف على علوم فكرية منها الهندسة والهندسة تتوقف ثمراتها على علوم كثيرة وعلوم العمران كعروق البدن يمد بعضها بعضاً فهي مترابطة متماسكة متلاحمة - فما يكون السبإيون بلغوا في الهندسة مبلغاً أقاموا به سد مأرب حتى يبلغوا في غيره من علوم العمران ذلك المبلغ.

ولكن لما كفروا بأنعم الله واستعملوها في ما يسخطه سلط الله عليهم من الأسباب ما خرب عمرانهم وأباد حضارتهم وذلك قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ... } الخ.

ويقول في وصف عمرانهم: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً}، يعني أن عمرانهم لم يكن محدودا، وإنما كان متصلاً بعضه ببعضه. فالقرى والمدن يظهر بعضها من بعضها لقربها وتلاحمها فلا يكاد المسافر يبرح مدينة حتى تبدو له أعلام الأخرى, ولا يكون هذا إلا إذا كان العمران متصلاً. وهذا هو معنى الظهور في الآية فهو ظهور خاص. وتقدير السير هو أن يكون منظماً ومن لوازمه أن تكون الأوقات مضبوطة بالساعات والطرق محدودة بالعلامات التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015