بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} وأقر كتبهم لهم وسماهم أهل الكتاب وأقر ما يعملونه من دينهم وسماه عملا فقال: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} وأقر أحكامهم فيما بينهم ومنع من التعرض لهم إلا إذا جاءوا بطوعهم واختيارهم متحاكمين إلى الإسلام فقال: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
فأنت ترى كيف أبقى لهم الإسلام كل كيانهم الديني وجميع مقوماته وأحاط دينهم بسياج من الاحترام بعد ما عرَّف المسلمين أن ما هم عليه من تلك الأديان هو من مقتضى مشيئة الله وحكمته وفي صالح البشرية والعمران وأن الجزاء على ذلك إنما هو لله وحده يوم يرجع إليه العباد فقال: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ثم أمر بعد ذلك كله بالعفو والصفح عنهم مع العلم بحقيقة قصدهم فقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ببيان هذه الحقائق من سنن الله وحكمته، وتقرير هذه الأحكام من شريعته، ربَّى الإسلام المسلمين على التسامح وكوَّن نظرهم لغيرهم من أهل الملل فهم لا يرون في اختلاف تلك الملل إلا شيئاً قد قضاه الله واقتضته حكمته لعمارة هذه الدار وتلك الدار وظهور آثار عدله وفضله وإحسانه ورحمته، فسلمت قلوبهم من الحقد الديني الممقوت والتعصب