فالاشراف ثمَّ رتبها كَمَا ذكرنَا وَثمّ بدأت من الْآلَات بالنحو والتصريف لتوقف علم البلاغة عَلَيْهِمَا وقدمت النَّحْو على التصريف وَإِن كَانَ اللَّائِق بِالْوَضْعِ الْعَكْس إِذْ معرفَة الذوات أقدم من معرفَة الطواريء والعوارض لِأَن الْحَاجة إِلَيْهِ أهم ثمَّ لما كَانَ الْقَلَم أحد اللسانين وَكَانَ اللَّفْظ يبْحَث عَنهُ من جِهَة النُّطْق بِهِ وَمن جِهَة رسمه عقبت النَّحْو والتصريف المبحوث فيهمَا عَن كَيْفيَّة النُّطْق بِهِ بِعلم الْخط المبحوث فِيهِ عَن كَيْفيَّة رسمه ثمَّ بدأت من عُلُوم البلاغة بالمعاني لتوقف الْبَيَان عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرَاعى بعد مُرَاعَاة الأول وأخرت البديع عَنْهُمَا لِأَنَّهُ تَابع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا
وَلما كَانَت هَذِه الْعُلُوم لمعالجة اللِّسَان الَّذِي هُوَ عُضْو من الانسان ناسب أَن نعقب بالطب الَّذِي هُوَ إصْلَاح الْبدن كُله وقدمت التشريح على الطِّبّ لانه مِنْهُ كنسبة التصريف من النَّحْو وَقد تقدم أَن اللَّائِق بِالْوَضْعِ تقديمة لانه يبْحَث عَن ذَات الْبدن وتركيبها والطب عَن الامور الْعَارِضَة لَهَا
وَلما كَانَ الطِّبّ لمعالجة الامراض الظَّاهِرَة الدُّنْيَوِيَّة عقب بالتصوف الَّذِي يعالج بِهِ الامراض الباطنية الاخروية
إِذا علمت ذَلِك فَخذ أصُول الدّين علم يبْحَث فِيهِ عَمَّا يجب اعْتِقَاده وَهُوَ قِسْمَانِ قسم يقْدَح الْجَهْل بِهِ فِي الْإِيمَان كمعرفة الله تَعَالَى وَصِفَاته الثبوتية والسلبية والرسالة والنبوة وَأُمُور الْمعَاد وَقسم لَا يضر كتفضيل الْأَنْبِيَاء على الْمَلَائِكَة فقد ذكر السُّبْكِيّ فِي تأليف لَهُ أَنه لَو مكث الانسان فِي مُدَّة عمره وَلم يخْطر بِبَالِهِ تَفْضِيل النَّبِي على الْملك لم يسْأَله الله تَعَالَى عَنهُ
الْعَالم هُوَ مَا سوى الله تَعَالَى حَادث بِمَعْنى مُحدث أَي موجد عَن الْعَدَم لِأَنَّهُ متغير أَي يعرض لَهُ التَّغْيِير كَمَا نشاهده وكل متغير حَادث لِأَنَّهُ وجد بعد أَن لم يكن وصانعه الله الْوَاحِد أَي الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته قديم أَي لَا ابْتِدَاء لوُجُوده وَلَا انْتِهَاء اذ لَو كَانَ حَادِثا لاحتاج إِلَى مُحدث تَعَالَى عَن ذَلِك