ألفاً، قال: فأتى صاحب السكر، فقال: يا هذا، إن غلامي كان قد كتب إليَّ، فلم أعلمك، فأقلني فيما اشتريته منك (استرد مني ما اشتريته منك) فقال له الآخر: قد أعلمتني الآن. وقد طيَّبتُه لك: قال: فرجع. فلم يحتمل قلبه، فأتاه فقال: يا هذا، إني لم آت هذا الأمر من قبل وجهه، فأحب أن تسترد هذا البيع؛ قال: فما زال به حتى رده عليه (?).
6 - وكان الحجاج بن دينار؛ قد بعث طعاماً إلى البصرة، مع رجل وامرأة، أن يبيعه يوم يدخل بسعر يومه، فأتاه كتابه: إني قدمت البصرة، فوجدت الطعام منقصاً فحبسته، فزاد الطعام؛ فازددت فيه كذا وكذا؛ فكتب إليه الحجاج: إنك قد خنتنا وعملت بخلاف ما أمرناك به، فإذا أتاك كتابي هذا، فتصدق منه بجميع ذلك الثمن- ثمن الطعام- على فقراء البصرة فليتني أسلم إذا فعلت ذلك (?).
فهذه آثار رائعة في اتقاء الشبهة، وتحري الحلال والمحافظة على الأموال الخاصة والعامة، وإن من يقرأ هذا الورع العظيم، وكان ممن يستحل الشبهات أو يتهاون فيها لحري به أن يقلع من فوره، إن كان عنده قلب، أو ذرة من إيمان، أو بقية من ضمير حي!! فالمسلم القابض على دينه، إذا عرضت له شبهة، ينبغي له أن يقف عندها ويتبين حكمها، فإن أفضت إلى حرام أو مكروه اجتنبها، وكذلك الشأن إن تردد حكمها، فإن أفضت إلى حرام أو مكروه اجتنبها، وكذلك الشأن إن تردد الحكم بين الحرمة والكراهة، فأقل درجاته في هذه الحالة أنه مكروه، والكراهة ليست للتنزيه.
وينطبق هذا على الشبه المالية والأخلاقية وغيرهما، فما دام الحكم متموجاً بين الحلال والحرام، غير بيِّن الوجه، فإن الواقع فيه مجازف بنفسه في الوقوع في الحرام لسببين: