سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

فيها خرج الأفضل في عساكر جمة، ورحل من القاهرة في شعبان، وسار يريد أخذ بيت المقدس من الأمير سكمان وإيلغازي، ابني أرتق، وكانا به في كثير من أصحابهما؛ فبعث إليهما يلتمس منهما أن يسلما البلد ولا يحوجاه إلى الحرب، فأبيا عليه، فنزل على البلد ونصب عليها من المجانيق نيفا وأربعين منجنيقا، وأقام عليها يحاصرها نيفا وأربعين يوما حتى هدم جانباً من السور، ولم يبق إلا أخذها، فسير إليه من بها ومكناه من البلد. فخلع على ولدي أرتق وأكرمهما، وأخلى عنهما، فمضيا بمن معهما. وملك البلد في شهر رمضان لخمس بقين منه، وولى فيه من قبله، ثم رحل عنه إلى عسقلان؛ وكان فيها مكان قد دفن فيه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخرجه وعطره وحمله في سفط إلى أجل دار بها، وعمر مشهدا مليح البناء. فلما تكامل حمل الرأس في صدره وسعى به ماشيا من الموضع الذي كان فيه إلى أن أحله في مقره. ويقال إن أمير الجيوش هو الذي أنشأ المشهد على الرأس بثغر عسقلان، وأن ابنه الأفضل شاهنشاه كمله. ثم حمل هذا الرأس إلى القاهرة، فوصل إليها يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.

وفيها حدثت بمصر ظلمة عظيمة عشت بأبصار الناس حتى لم يبق أحد يعرف أين يتوجه، ثم هبت ريح سوداء شديدة، فظن الناس أن الساعة قد قامت. واستمرت الريح سبع ساعات وانجلت الظلمة قليلا قليلا وسكنت الريح. ولم يصل في ذلك اليوم أحد صلاة الظهر ولا العصر، ولا أذن في القاهرة ولا مصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015