إلى أن يأتي أهله وتسلموا موجوده، وإياك ماله وصندوقه، وإن ضاع منه درهم ضربت عنقك مكانه؛ كان لنا خصماً أخذناه وفعلنا به ما نردع به غيره عن فعله، ومالنا في ماله ولا في فقر أهله حاجة. ثم أتى إلى الشيخ أبي طاهر الإطفيحي وقربه وتخصص به، وأطلعه على أغراضه وأكثر من التردد إليه، وأجرى الماء إلى مسجده، وبنى له فيه حماماً وبستانا وغير ذلك من المباني. فعظم قدر الإطفيحي به، وكثر غشيان الناس مسجده، وطار ذكره، وشاع خبره، وكثرت حاشيته، وصار المشار إليه بالديار المصرية حتى مات.
وفيها قام ببغداد تاجر يعرف بحامد الأصفهاني فتكلم بأن نسب الخلفاء الفاطميين صحيح، فقبض عليه واعتقل حتى مات.
وخرج الأمر بجمع الناس إلى بيت النوبة ببغداد، فجمعوا في تاسع ربيع الآخر، وحضر بنو هاشم وغيرهم إلى الديوان؛ وقرئ توقيع أوله خطبة تشتمل على حمد الله تعالى والثناء عليه، وتذكر طاعة الأئمة وفضل العباس وما جاء فيه من الأخبار، ثم قال: أما بعد، فإنه لم يخل وقت ولا زمان من مارق على الدين، وشاع تفرق كلمة المسلمين ليبلوا الله المجاهدين فيهم والصابرين، ويصلي أكثر العاكفين نار جهنم التي أعدت للكافرين. وهذه الطائفة المارقة من الباطنية الملحدين، والكفرة المستسلمين، انتهكوا المحارم، واستحلوا الكبائر، وأراقوا الدماء، وكذبوا بالذكر، وأنكروا الآخرة، وجحدوا الحسنات والجزاء، وفصلوا أعضاء المسلمين، وسملوا أعين الموحدين؛ فكادوا الدين وفقهاءه، وأعلنوا بالشرك ونداءه. ثم رماهم بالفسوق والإهمال والانحلال؛ وقال: شاعرهم يقول:
حلّ برقّادة المسيح ... حلّ بها آدم ونوح