خاتمة فيما يتعلق بختم القرآن العظيم:
اعلم أن الخاتمين للقرآن الكريم على ثلاثة أحوال1: فمنهم من كان إذا ختم أمسك عن الدعاء وأقبل على الاستغفار, وهذا حال من غلب عليه الخوف من الله تعالى, وشهود التقصير في العمل, ولم يأمنوا من الآفات, وخشوا مناقشة الحساب, فأقبلوا على الاستغفار وقنعوا بأن يخرجوا من العمل كفافا لا لهم ولا عليهم, ومنهم قوم كانوا إذا اختموا دعوا. وهو مروي عن ابن مسعود وأنس وغيرهما, وهؤلاء قوم غلب عليهم شهود الربوبية لله تعالى, وشهدوا من أنفسهم العبودية له تعالى, ووجدوا من أنفسهم الفقر والفاقة إلى ربهم, وعاينوا منه سعة الرحمة وعموم الفضل للمحسن والمسيء وإسباغ النعم على المقبل وعلى المدبر فأطمعهم ذلك, وقوى رجاءهم في الله تعالى, وعلموا أن القرآن الكريم شافع مشفع فلم يهلهم أمر ذنوبهم وإن عظمت, فمدوا إلى الله تعالى يد المسألة, وتضرعوا إليه وابتهلوا وعلموا أن لا ملجأ من الله إلا إليه مع ملاحظة قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} , {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} فكان دعاؤهم عبودية لله تعالى ومنهم قوم كانوا يصلون الخاتمة بالفاتحة عودا على بدء مر غير فصل بينهما لا بدعاء ولا بغيره لوجهين:
أحدهما ما رواه الترمذي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله تعالى: من شغله القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين, وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" 2.
والثاني ما في ذلك من التحقق بمعنى الحلول والارتحال في الحديث المروي من طريق عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد لله ثم قرأ من البقرة وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام, قال الحافظ ابن الجزري: وإسناده حسن ورواه أبو الشيخ وروى فيه حديثا مسلسلا بالتكبير وقراءة الفاتحة وأول البقرة وهي خمس آيات بالعدد الكوفي, وأربع في غيره لأن الكوفي