الهجاء فقال لا إلا على الكتبة الأولى, لكن قال بعضهم: هذا كان في الصدر الأول والعلم غض حي, وأما الآن فقد يخشى الالتباس، وكذا قال شيخ الإسلام العز بن عبد السلام: لا يجوز كتابة المصحف الآن على المرسوم الأول باصطلاح الأئمة, لئلا يوقع في تغيير من الجهال، وهذا كما قال بعضهم: لا ينبغي إجراؤه على إطلاقه لئلا يؤدي إلى درس العلم ولا يترك شيء قد أحكمه السلف مراعاة لجهل الجاهلين لا سيما، وهو أحد الأركان التي عليها مدار القراءات.

وهل يجوز كتابة القرآن بقلم غير العربي؟ قال الزركشي: لم أر فيه كلاما للعلماء ويحتمل الجواز؛ لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب, وقد سئل عن ذلك المحقق ابن حجر المكي؟ فأجاب بأن قضية ما في المجموع عن الأصحاب التحريم, وأطال في بيان ذلك.

ثم إن الخط تصوير الكلمة بحروف هجائها بتقدير الابتداء بها، والوقف عليها، ولذا حذفوا صورة التنوين، وأثبتوا صورة همزة الوصل، والهجاء هو التلفظ بأسماء الحروف لا مسمياتها لبيان مفرداتها وجاء الرسم على المسمى1.

ثم: إن الرسم ينقسم إلى قياسي، وهو موافقة الخط اللفظ، واصطلاحي، وهو مخالفته ببدل، أو زيادة، أو حذف، أو فصل، أو وصل للدلالة على ذات الحرف، أو أصله، أو رفع لبس أو نحو ذلك من الحكم وأعظم فوائد ذلك أنه حجاب منع أهل الكتاب أن يقرؤه على وجهه دون موقف.

واعلم: أن موافقة المصاحف تكون تحقيقا كقراءة "مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ" [الفاتحة الآية: 4] بالقصر وتقديرا كقراءة المد, وهذا الاختلاف اختلاف تغاير وهو في حكم الموافق لا اختلاف تضاد وتناقض.

وتحقيقه: أن الخط تارة يحصر جهة اللفظ فمخالفه مناقض وتارة لا يحصرها بل يرسم على أحد التقادير فاللافظ به موافق تحقيقا وبغيره موافق تقديرا لتعدد الجهة إذ البدل في حكم المبدل, وما زيد في حكم العدم وما حذف في حكم الثابت وما وصل في حكم الفصل وما فصل في حكم الوصل.

وحاصله: إن الحرف يبدل في الرسم ويلفظ به اتفاقا كاصطبر، ويرسم ولا يلفظ به اتفاقا كالصلوة، ويرسم، ويختلف في اللفظ به: كالغدوة، ويزاد ويلفظ به اتفاقا، كحسابيه، ويزاد ولا يلفظ به اتفاقا: كأولئك، ومائة، ويزاد ويختلف فيه: كسلطانية، ويحذف كذلك نحو: بسم الله، ويرب، وكالرحمن، وكالداع، ويوصل، ويتبعه اللفظ كمناسككم، وعليهم، ويخالفه نحو: كهيعص، ويبنؤم ويختلف فيه نحو: ويكأن،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015