ولما نظر في ذلك أكثر-رحمه الله-من إرسال البعثات من الشباب لأجل تعلم العلوم الحديثة، وأرسل عدة سفراء إلى مختلف الأجناس في الأوقات المناسبة، وكل هذا كان مفيدا من الناحية السياسية وبعد خطوة كبيرة خطاها المغرب وقتئذ بالنسبة إلى دول أخرى بحيث لو استمرت تلك الخطوة لنهض المغرب ولم يتوقف على غيره.
لكن بعد موته انقلبت الوضعية رأسا على عقب وتولى الحكم بعده المولى عبد العزيز الطفل الصغير دون بلوغ، والذي قبض على زمام الحكم إذ ذاك هو الوزير احماد ابن موسى الآتي الوفاة عام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف، وكان لا يهمه سوى السيطرة والاستبداد في الحكم، وغاية مراده وأمنيته أولا التغلب على أضداده وأعدائه زمن السلطان المولى الحسن أولاد جامع الذين كانوا ينافسونه في الأمر والقضاء عليهم وعلى من كان متصلا بهم، وثانيا أن يكون المغرب كله في هدوء وسكينة وليس فيه ثائر من أقصاه إلى أقصاه وقد نفد الأمرين معا أيام سلطته.
وأما السياسة الخارجية وما تعمل له دول أوربا من الاستيلاء على بلاد المغرب فان ذلك -في نظره-موكول إلى الأولياء والصالحين الذين نتوسل بهم ونهرع إلى أضرحتهم ومقاماتهم؛ وأما جال البعثات التعليمية التي أرسلها السلطان المولى الحسن إلى أوربا وأتوا حاملين للعلوم العصوية المفيدة للمغرب. فقد تركوا مهملين لا يلتفت إليهم ولا يسمع لقولهم ولا لأفكارهم.
وكانت الأنظار متشوقة إلى نصر أحد أولاد السلطان المولى الحسن غير المولى عبد العزيز لوجود من هو أكبر منه سنا وعلما ومعرفة وقدرة على القيام بأعباء الملك، ولكن احماد بن موسى كان يعلم أنه لو أسند الأمر لغير المولى عبد العزيز لما توصل إلى مراده.
وفي يوم الخميس سابع عشر حجة توفي إبراهيم بن محمد بن عبد القادر بن محمد التادلي الرباطي، الشيخ الجليل والعلامة المشارك المطلع المدرس، من آخر أعلام الرباط وشيخ الجماعة به. أخذ العلم بفاس ومكث فيه أكثر من خمسة عشر عاما. ولما رجع إلى بلده أكثر من التدريس والإفادة. له تآليف عديدة في مختلف الفنون، منها: تاريخ دول المغرب، وأغاني السقافي علم الموسيقى؛ واختصار الجذوة لابن القاضي؛ واختصار الصفوة للأفراني؛ وفهرسة؛ واختصار كتاب الحايك في علم الآلة؛ وزنية النحر بعلوم البحر؛ واليواقيت في علم المواقيت، إلى غير ذلك من التأليف المفيدة. دفن بداره التي كان يسكنها ببلده الرباط، وتقدمت وفاة جده عام أربعة عشر ومائتين وألف.
وفيه توفي أحمد بن محمد اللمتوني من نسل يوسف بن تاشفين، علامة مشارك، له تآليف، منها: اللؤلؤ المكنون في اختصار ابن عيشون اختصر فيه تاريخ ابن عيشون في صلحاء فاس وزاد عليه زيادات مهمة.