وقال قبل ذلك -أعني شيخنا الذهبي-: كان ابن فورك رجلًا صالحًا. ثم قال: كان مع دينه صاحب فلتةٍ (?) وبدعةٍ. انتهى
قلت: أما أن السلطان أمر بقتله فشفع إليه، إلى آخر الحكاية، فأكذوبة سمجة ظاهرة الكذب من جهات متعددة:
منها: أن ابن فورك لا يعتقد ما نقل عنه بل يكفر قائله، فكيف يعترف على نفسه بما هو كفر، وإذا لم يعترف فكيف يأمر السلطان بقتله، وهذا أبو القاسم القشيري أخص الناس بابن فورك، فهل نقل هذه الواقعة؟ بل ذكر أن من عزى إلى الأشعرية هذه المسألة فقد افترى عليهم، وأنه لا يقول بها أحد منهم.
ومنها: أنه بتقدير اعترافه وأمره بقتله كيف ترك ذلك لسنه؟ وهل قال مسلم: إن السن مانع من القتل بالكفر على وجه الشهرة أو مطلقا؟ ثم ليت الحاكي ضم إلى السن العلم وإن كان أيضًا لا يمنع القتل، ولكنه لبغضه فيه لم يجعل له خصلة يمت بها غير أنه شيخ مسن، فيا سبحان الله، أما كان رجلًا عالمًا؟ أما كان اسمه ملأ بلاد خراسان والعراق؟ أما كان تلامذته قد طبقت طبق الأرض؟ فهذا من ابن حزم مجرد تحامل وحكاية لأكذوبة سمجة كان مقداره أجلّ من أن يحكيها، وأما قول شيخنا الذهبي: إنه مع دينه صاحب فلتة وبدعة، فكلام متهافت؛ فإنه يشهد بالصلاح والدين لمن يقضي عليه بالبدعة، ثم ليت شعري ما الذي يعني بالفلتة؟ إن كانت قيامه في الحق كما نعتقد نحن فيه فتلك من الدين، وإن كانت في الباطل فهي تنافي الدين، وأما حكمه بأن ابن فورك خير من ابن حزم فهذا التفضيل أمره إلى الله تعالى، ونقول لشيخنا: إن كنت تعتقد فيه ما حكيت من انقطاع الرسالة فلا خير فيه ألبتة، وإلا فلِم لا نبهت على أن ذلك مكذوب عليه لئلا يغتر به (?).