معه يحرم علمًا نافعًا. وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال: أوله شغل وآخره بغي. وأراد به التوسع فيه.
وكذلك كره أحمد التوسع في معرفة اللُّغة وغريبها، وأنكر على أبي عبيدة توسعه في ذلك، وقال: هو يشغل عما هو أهم منه.
قال ابن رجب: ولهذا يقال: إن العربيّة في الكلام كالملح في الطّعام. يعني أنّه يؤخذ منها ما يصلح الكلام كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطّعام، وما زاد على ذلك فإنّه يفسده" (?) اهـ.
ثمّ ليعلم - بعد هذا - أن الأصل في ضبط كلام النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إنّما هو السماع والتلقي، يُسْنِدُهُ الراوي عن غيره إلى منتهاه ضابًطا له، مقيمًا لنحوه ولغته. ولهذا قيل: الإسناد من الدين. فربَّ حديث يروى على غير وجهه، والسر فيه أن راويًا لحن فيه، فنقله غَيْرُهُ عنه كما رواه له، وهكذا حتّى يصير الحديث بالفارسية كما قال الرحبي.
ولأن السماع مضى وانتهى، تعذَّر ضبط الحديث إِلَّا بالقواعد النحوية المعروفة، فَحَلَّ ضبط المطابع محل قول أمثال الأصمعي والخليل وأبي عمرو بن العلّاء: سمعت العرب تقول كذا، أو مثل قول المحدثين: حدّثنا، وسمعت، وعن، وأن. إن سيبويه - على مكانته - شكا حماد بن سلمة إلى شيخه الخليل بن أحمد؛ قال: سألته عن رجل رَعُفَ - هكذا - فقال لي: أخطات، بل هو رَعَفَ.
فقال الخليل: صدق، أتلقى أبا سَلَمَةَ بمثل هذا (?)؟ !
فأين نحن من أولئك، وأين نحن من هؤلاء؟ !