عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: بينما أنا نائم رأيتنى أطوف بالكعبة وذكر في الحديث قصة رؤيته عيسى ابن مريم عليه السلام.
وقال كثير من المحققين: إن ذلك رؤيا عين لا منام على الصحيح، وهذا هو القول الراجح، وعلى هذا فاختلفوا في معنى الحديث الآخر الذي ذكر فيه كيفية حج موسى عليه السلام، فذكر فيه وجوها: أحدها: أن هذا على ظاهره كان الأنبياء عليهم السلام أحياء بعد موتهم كالشهداء بل أفضل، وإذا كانوا أحياء فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا ويتقربوا إلى اللَّه تعالى بما استطاعوا؛ لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا فنيت مدتها وتعقبها الدار الآخرة التي هي دار الجزاء
انقطع العمل، وقد يقال أيضًا: إن هذه الأعمال تحبب إليهم فيتعبدون بما يجدون من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون كما يحمده ويسبحه أهل الجنة كما جاء في الحديث أنهم يلهمون التسبيح، كما يلهمون النفس، وهو معنى قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]، وإن كانت ليست بدار تكليف، ولكن يكون ذلك على الوجه الإلهامي الذي ذكرناه فكذلك حج الأنبياء عليهم السلام وصلاتهم، وثانيها: أنه صلى اللَّه عليه وسلم رأى حالهم التي كانت في حياتهم ومثلوا له في حال حياتهم كيف كانوا، وكيف حجتهم، وتلبيتهم وثالثها: أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر عن ما جاء به وحي إليه من أمرهم، وما كان منه إن لم يرهم، لكن جاء به وحي من اللَّه تعالى إليه في هذا النسق لقوة اليقين بصدق ذلك، إذا كان عن وحي، والذي تقضيه الأحاديث الصحيحة من أنهم صلوات اللَّه عليهم أجمعين أحياء في قبورهم، كما رواه أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: رأيت موسى يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر" أخرجه مسلم عن هدبة بن خالد، وشيبان بن فروح