ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا عليه فاستأذن جبريل، للَّه عز وجل في عقوبتهم فأذن له فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه وعليه وشاح من در منظوم وهو برَّاق الثنايا أجلا الجبين ورأسه حبك مثل الجمان كأنه الثلج بياضا وقدماه إلى الحضرة فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم فانصرفوا وهم يقولون النجاة النجاة فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض سحرونا وجعلوا يقولون يا لوط، كما أنت حتى تصبح وسترى: "ما تلقى" منا غدا يتوعدونه فقال لهم لوط: متى موعد هلاككم قالوا: الصبح قال: أريد أسرع من ذلك فلو أهلكتموهم الآن؟ فقالوا: أليس الصبح بقريب؟ ثم قالوا يا لوط: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 78] فإنها تلتفت فتهلك، وكان لوط قد أخرجها معه ونهى من تبعه ممن أسرى بهم أن يلتفت سوى
زوجته فإنها لما سمعت "هذا" العذاب التفتت وقالت: يا قوماه فأدركها حجر فقتلها {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} [هود: 82] أي عذابنا {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [هود: 82] ذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات وهي خمس مدائن، وفيها أربعمائة ألف وقيل أربعة آلاف ألف فرفع المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونبيح الكلاب فلم يكفأ لهم إناء ولم ينتبه لهم نائم حتى قلبها فجعل عاليها سافلها {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] قيل كان مكتوبًا على كل حجر اسم من رمي به، وقيل إن الحجر أتبع مسافريهم أين كانوا في البلاد، وروى الثعلبي، عن مقاتل بن سليمان قال: قلت لمجاهد: يا أبا الحجاج هل بقى من قوم لوط أحد؟ قال: لا إلا رجل تاجر بقي أربعين يومًا بمكة فجاءه حجر ليصيبه في الحرم فقام إليه ملائكة الحرم وقالوا للحجر ارجع من حيث جئت فإن الرجل في حرم اللَّه تعالى قال: فخرج الحجر ووقف خارج الحرم أربعين يومًا بين السماء والأرض حتى قضى الرجل تجارته فلما خرج أصابه الحجر خارج الحرم، عن أبي سعيد: قال: الذي عمل ذلك