أما الذين ذهبوا بفضل الشهرة والأمانة المعتبرة في التاريخ فهم قليلون، منهم اليعقوبى في منتصف القرن الثالث، وابن جرير في "تاريخ الأمم والملوك" المتوفى عام عشرة وثلاثمائة، والمسعودى في تواريخه الثلاث "أخبار الزمن" و "الأوسط" و"مروج الذهب" المتوفى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وابن الأثير في كامل التواريخ المولود سنة خمس وخمسين وخمسمائة، المتوفى سنة ثلاثين وستمائة. وابن خلدون في كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر، المتوفى رمضان سنة ثمان وثمانمائة.
وتواريخ هؤلاء من بدء العالم إلى أيامهم، وقد جاء من بعدهم في كل رمان ومكان من استدرك ما فاتهم وذيل عليهم بتدوين ما قصرت عنه حياتهم واستمر ذلك إلى وقتنا هذا وهو ثانى عشرى رجب الفرد الحرام عام تسعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، فكثرت بسبب ذلك موضوعات هذا الفن وتنوعت أساليبه، وتعددت أسبابه، حتى لو رام أحد تقصى ذلك لعجز.
وقد ذكر المسعودى جملة كبيرة منها وتاريخه لغاية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة فما ظنك بما بعد ذلك.
وقد عد الشيخ عبد الرحمن بن حسن الجبرتى في كتابه "عجائب الآثار" جملة صالحة منها، وسرد صاحب "كشف الظنون" من التواريخ في زمانه ثلاث عشرة مائة، وقد أوجز إذ لا موقع لهذا العدد في جانب ما فاته من ماض عنه فأحرى ما هو آت بعده.
فعلى الإنسان أن يستفرغ في الاستطلاع جهده ولا يوقع نفسه في ورطة الحصر، فإنه ما رامه أحد إلا تعدى طوره. وأفنى عمره ولم يبلغ غوره. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
وأما مسائله فهى عبارة عن كليات حكمية مأخوذة من التمحيص التفصيلى يهتدى بها في أحوال الدول ومآل حياتهم، كقولهم: كل دولة لا بد لها من عصبية